كل ما يجري من حولك

مضيق هرمز.. رسائل إيران إلى الأصدقاء والأعداء

527

 

د. صالح أبو عزة*

          لم تُوقِفِ الولاياتُ المتحدة الأمريكية حربَها الاقتصادية المفتوحة على إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنَّ هذه الحرب لم تكن على وتيرة واحدة، وتذبذبت صعوداً ونزولاً بحسب سياسات حاكم البيت الأبيض؛ إلا أنَّ حدتها قد زادت منذ تولي الرئيس ترامب سدة الحكم الأمريكي، ولم يمضِ على توليه سوى شهور قليلة، حتى أعلن في الثامن من مايو الماضي انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي مع إيران بشكل نهائي.

          أعلن ترامب سياساتِ بلاده الصارمة تجاه إيران، ووضعها نداً مُقابلاً للمشاريع الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية، وبتأييد كبير من تل أبيب والرياض لهذه السياسات، وخَاصَّـةً في محاصرة إيران اقتصادياً، وخنقها على المستوى التجاري الدولي، والقطاع المصرفي، وقطاع الطاقة “النفط والغاز”. حيث تسعى واشنطن في نهاية المطاف إلى تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وقد دعت حلفاءها للتوقف عن استيراد النفط من إيران بحلول الرابع من تشرين الثاني المقبل دون أية استثناءات أَوْ تأخير، مما دفع إسحاق جانغهير النائب الأول للرئيس الإيراني بوصف هذه السياسات “أنّ الخزانة الأمريكية تحولت لغرفة اقتصادية ضد إيران من أجل شل الاقتصاد الإيراني وزيادة الضغوطات عليها وعلى شعبها”.

أعلن بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، وخلال لقائه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، أنّ “الحصول على النفط الإيراني بعد الرابع من تشرين الثاني سيُعدُّ خرقاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وسنعمل على ضمان التزام العالم بتنفيذ العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران، وسندرس جميع الطلبات المقدمة من أجل الإعفاء من هذه العقوبات”. حديث بومبيو ومن العاصمة العربية أبو ظبي، قد تجاوزت دائرة حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة، إلى فرض وصايتها على جميع دول العالم بهذا التهديد الذي يُمثل قمة الغرور والعنجهية الأمريكية. دعوة بومبيو وقبله ترامب والعديد من المسؤولين الأمريكيين، حظيت بتأييد بعض الدول، والتي تسير في الفلك الأمريكي، منها السعودية والإمارات والبحرين، كما واستجابت العديد من الشركات لهذه الدعوة؛ حِفاظاً على استثماراتها في الولايات المتحدة، وفي مناطقِ نفوذِها، خشيةً من العقوبات الأمريكية، والتي ستطالُ أسواقها وامتيازاتها وأموالها وأرباحها.

في مقابل رضوخ وتردُّدِ بعض الدول والشركات للإرادة الأمريكية بخصوص العقوبات على إيران، استمر العديد من الدول الحليفة والصديقة لإيران على مواقفها الرافضة لتلك الضغوط، وبرز من بينها الموقف التركي، التي أعلنت بشكل صريح استمرارها في استيراد النفط والغاز المسال من إيران، كما رفضت روسيا والصين وماليزيا هذه العقوبات، فيما الاتّحاد الأوروبي أعلن عزمه شراء النفط الإيراني أَوْ مقايضته. هذه المواقف دفعت الرئيس الإيراني في الثاني من تموز الجاري ومن مدينة برن السويسرية إلى التصريح بأنَّ “منع إيران من تصدير نفطها يعني أنْ لا أحد في المنطقة سيتمكّـن من تصدير نفطه”!!

التقط اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني، واللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري، إشارة الرئيس روحاني، وأعلنا تأكيدهما على تصريح الرئيس روحاني، وجهوزية الحرس الثوري لإغلاق مضيق هرمز أمام صادرات النفط منه إلى العالم. ثم صرّح علي مطهري نائب رئيس البرلمان الإيراني بأنّ “الرد الأمثل للتهديدات الأمريكية بخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر هو إغلاق مضيق هرمز”.

مضيق هرمز هو الممر المائي الذي يصل الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب وصولاً إلى المحيط الهندي، وهو ممر مائي بين إيران وسلطنة عُمان، وتعتمد عليه إيران والكويت وقطر بتصدير كامل نفطها منه إلى العالم، وتعتمد عليه الإمارات بتصدير 99% من نفطها، كما وتعتمد عليه العراق بتصدير 98% من نفطها، أما السعودية فتصدّر من خلاله 88% من نفطها. حيث يستوعب مضيق هرمز ما يقارب 40% من حركة النفط العالمي، وبمعدل 20 مليون برميل يومياً.

إنّ تنفيذ إيران لتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز، في حال عمدت الولايات المتحدة إلى تنفيذ عقوباتها بشكل حاد وصارم، وخَاصَّـةً تصفير صادرات إيران النفطية، سيؤدي قطعاً إلى خلخلة المنظومة الاقتصادية في العالم كله؛ حيث سيؤدي الإغلاق التام إلى ارتفاع جنوني في أسعار النفط، وبحسب خبراء سوف يرتفع سعر البرميل الواحد من 74 دولاراً أمريكياً إلى أَكْثَــر من 200 دولار، مما يهدد الأسواق المالية واقتصاديات الدول وضرب عصب الطاقة في الصميم.

إنّ تهديداتِ شخصياتٍ وازنة ومسؤولة في الإدَارَة الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، تدرك خطورة هذه الخطوة إيران أولاً، ثم أصدقائها وأعدائها على حدٍ سواء، فالصين على سبيل المثال، والتي تستورد نفطَها من إيران والعراق والسعودية والكويت، وتستورد غازَها من قطر، وهي دولةٌ صديقةٌ لإيران، تعلم الآثار الكارثية على الاقتصاد الصيني في حال عزمت إيران على تنفيذ تهديداتها، وكذلك اليابان والولايات المتحدة وكندا والاتّحاد الأوروبي، وكذلك دول الخليج. فالاتّحاد الأوروبي عمد إلى التصريح أَكْثَــرَ من مرة عبر مسؤوليه التزام الاتّحاد بالاتّفاق النووي مع إيران، وخَاصَّـةً في لقاء فيينا الأخير، واستمراره بشراء النفط الإيراني، وتقديم حزمة اقتصادية لإيران تعويضاً عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتّفاق النووي، على الرغم مما يُعيب الخطوة الأوروبية بعدم تحديد موعد زمني لإنفاذ هذه الحزمة المفيدة لإيران بحدها الأدنى.

لا نرى أنّ الجمهورية الإسلامية قد تعمد إلى تنفيذ تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز بشكل كامل، وذلك لآثاره السلبية عليها وعلى مجموعة من الدول الحليفة والصديقة والمتعاونة، ولكن استمرار واشنطن في تماديها لضرب الاقتصاد الإيراني، سيدفع إيران حتماً إلى مناورات جدية في مضيق هرمز، بتقليل الحركة المرورية البحرية فيه، ومضايقة حركة الناقلات والسفن للحد من صادرات النفط والغاز، للضغط على جميع الأطراف من أصدقاء وأعداء على حدٍّ سواء. فعلى الرغم من جدية الولايات المتحدة وجوقة الدول التي لا تخالفها أطماعها في المنطقة، إلا أن إيران ما زالت قادرةً على السيطرة من خلال سياسة التلويح بعصا المضيق أمام الجميع، فعلى الأعداء الخوف والقلق، وعلى الأصدقاء الحذر وتحمّل المسؤولية الدولية، فرسالة إيران الأخيرة أنها “لن تسمح لأحد بتجويع شعبها، وبث الاضطرابات بين مكوناته، وتهديد استقلاله، فيما تنعم أمريكا بالأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي”.

* كاتب وباحث فلسطيني

You might also like