نشر موقعُ «إنفستورز» تقريرًا كتبه «جيمس كونواي» – جنرال متقاعد، وقائد سابق في سلاح مشاة البحرية الأمريكية- و«تشارلز والد» -جنرال متقاعد، ونائب قائد سابق للقيادة الأوروبية الأمريكية-، يحاولان فيه تفنيد الخيارات المطروحة أمام الإدارة الأمريكية تجاه إيران، ومحاولاتها إثارة النزاعات والطائفية في منطقة الشرق الأوسط، ويتساءلان حول تبعات دعم الولايات المتحدة المظاهرات الداخلية الإيرانية، بحيث ينصرف تركيزها عن إشعال النيران في المنطقة، باعتباره أحد الخيارات المطروحة.

يوضح التقرير بدايةً أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ مهني عسكري طويل، يتطور لديهم فهم عميق فيما يخص الحرب، وهو لا يتعلق بالحرب نفسها فحسب، بل بالظروف المؤدية لها أيضًا، فعلى مر السنين، كان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب الأسد من تصدر مشاهد الصراعات في العديد من مناطق العالم، وتركز اهتمامها وسياساتها في كثير من الأحيان على الشرارة الأولى لاندلاع هذه الصراعات.

بالنظر إلى الأوضاع الحالية بعين فاحصة، يؤكد الكاتبان أنهما يتملكهما القلق من إمكانية اندلاع حرب أضخم في الشرق الأوسط؛ حرب قد تضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها التورط فيها.

ويعتقدان أن في ظل استمرار تلك الأوضاع، يجب على المجتمع الدولي أن يتخير أحد سبيلين: فإما أن يستعد للحرب، وإما أن يعالج الوضع الذي يجعل من الحرب خيارًا أكثر احتمالًا. ويؤكدان أن الشعب الأمريكي بوجه عام بلا شك، وأغلب السياسيين الأمريكيين تقريبًا يفضلون الخيار الأخير، إلا أن حفنة قليلة فقط تستشعر علامات الخطر، فضلًا عن أن قلة قليلة لديهم رؤية واضحة حول التحركات التي قد تبطئ انزلاق المنطقة في أتون الحرب.

أشد الحروب شراسة تنبثق من فترات التراخي الطويلة؛ إذ تتجاهل الأطراف ذات الصلة الصراعات المستعرة، وتأمل ببساطة أن تهدأ التوترات من تلقاء نفسها.

يذكر التقرير أن وفقًا لتصريحات بعض الشخصيات البارزة في إدارة ترامب، فإنهم مدركون لواحد من أخطر العناصر المساهمة في التهديد القائم، فعلى سبيل المثال، لطالما أكد «جيمس ماتيس» -وزير الدفاع- مرارًا وتكرارًا أن من بين جميع الأزمات التي تحيط بالشرق الأوسط، تبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية عنصرًا مشتركًا في جميعها تقريبًا، إذ كان للنظام الديني تأثيرًا فعليًا على مد أمد وإذكاء صراعات بعينها، مثل الحروب المندلعة في سوريا واليمن، فضلًا عن إذكاء الطائفية في المنطقة بأسرها.

لذا، -وحسب ما أورده التقرير- يُعد أهم ما يمكن للمجتمع الدولي القيام بها للحيلولة دون اندلاع صراع كهذا، هو احتواء أنشطة إيران الإقليمية، وعلاج أسبابه الجذرية، ولسوء الحظ، ستواجه السياسات الدافعة نحو هذا الهدف مقاومة شديدة من المدافعين عن الوضع الراهن، وكذلك الذين تؤرقهم فكرة أن أي جهود لمواجهة أو احتواء الخصوم الإقليميين ما هي إلا اندفاع نحو الحرب، وذلك على الرغم من أن أي شخص على دراية بالتاريخ العسكري، حتما سيدرك أن أشد الحروب شراسة تنبثق من فترات التراخي الطويلة؛ إذ تتجاهل الأطراف ذات الصلة الصراعات المستعرة، وتأمل ببساطة أن تهدأ التوترات من تلقاء نفسها.

ولا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها تحمل ذلك المسار، فأي حرب قد تندلع في المستقبل قد تكتسح المنطقة بأسرها، وتقوض مصالحها لسنوات، أو ربما لعقود قادمة، ما يحمل بدوره أيضًا آثارًا لا حصر لها على شعوب الشرق الأوسط، بما في ذلك الشعب الخاضع مباشرةً إلى النظام الرئيسي المحرض على الحرب: النظام الإيراني. ويعتقد الكاتبان أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى ضرورة إدراك الشعب الإيراني للخطر المحيق به، واستعداده لمساندة الجهود الرامية لتقليص تطلعات حكومته، والحد من الدور الطائفي الذي تلعبه إيران في الدول المجاورة، مثل سوريا.

ويضيفان أن بأخذ ذلك في الحسبان، يجب على حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تأخذا في الاعتبار الآثار المحتملة الناجمة عن إجبار إيران على مواجهة وضع داخلي كهذا، بدلًا من السعي وراء استغلال نقاط ضعفها الإقليمية، ولا تعد تلك مهمة صعبة، فبالنظر إلى تعرض الجمهورية الإسلامية بالفعل لهزات اضطرابات واسعة النطاق، يتضح أن الشعب بدأ بالاحتجاج على عديد من القضايا الحيوية، فضلًا عن الاحتجاج على طبيعة النظام نفسه.

جدير بالذكر أيضًا أنه خلال شهري ديسمبر (كانون الأول)، ويناير (كانون الثاني) الماضيين، اجتاحت المظاهرات الاحتجاجية كافة أطراف البلاد في 140 مدينة إيرانية، على حين غرة من النظام. كان الأمر مفاجئًا بالفعل وعلى نحو غير مسبوق، ما اضطر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «علي خامنئي» التخلي عن استراتيجيته التقليدية، التي ارتكزت على التقليل من شأن المعارضة السياسية المطالبة بالديمقراطية، وإنكارها، واتهم علنًا حركة مجاهدي خلق الإيرانية بالوقوف وراء الانتشار السريع للاحتجاجات والشعارات الاستفزازية. إلا أن في الأشهر التالية، واصل الناشطون والعمال الإيرانيون تنظيم المظاهرات الكبرى في تحد واضح لحملة العنف والقمع التي أنهت انتفاضة يناير.