لم يكن حفل الزفاف في محافظة حجة، الأول الذي يتحول إلى مجلس عزاء لمأتم جماعي مثخن بالجراح والإعاقات والذكريات الأليمة. الغارة التي أسفرت عن مقتل وجرح قرابة 88 بينهم 30 طفلاً حضروا بصحبة آبائهم إبتهاجاً وفرحاً بحفل زواج، يوم الأحد الماضي، سبقها مجازر حفرت في ذاكرة الشعب اليمني صوراً غير مسبوقة، مثلت مشاهد، من مسلسل دموي طويل من الحرب على اليمن، منذ مارس العام 2015.
غارات متكررة
يعلم اليمنيون أن استهداف طيران «التحالف» حفل الزفاف الأخير في منطقة الرّاقة، مديرية بني قيس، محافظة حجة، قد لا يكون الأخير. هذا ما يذهب إليه أداء «التحالف» في البلاد، منذ انطلاق العمليات العسكرية السعودية والإماراتية. وفي إحصائية أعدّها موقع «العربي»، رصدت وقوع 4 حوادث مماثلة، توزّعت جغرافياً على محافظات حجّة وذمار وتعز ومأرب، أسفرت في مجملها عن سقوط وجرح قرابة 362 مدنياً، بينهم نحو 100 سيّدة وعشرات الأطفال.

واجحة تعز وسنبان ذمار
وبدأت عمليات «التحالف» ضد حفلات الزواج، أواخر سبتمبر العام 2015، حينما قصف طيران «التحالف» الذي تقوده السعودية، خيمتي حفل زفاف أطراف قرية واجحة، القريبة من ميناء المخا، في محافظة تعز، أسفرت حصيلة ضحاياها عن مقتل وإصابة 131 مدنياً تناثرت جثثهم على أرضيّة مسرح الجريمة، تلاها في الشهر التالي، من ذات العام (في الـ7 من أكتوبر العام 2015)، عملية عرس قرية سنبان، في محافظة ذمار، التي قتل على إثرها 43 مدنياً بينهم 3 عرسان، وأصيب 90 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

هيسان مأرب
وفي منتصف ديسمبر من العام 2017، حالت غارات «التحالف» دون إكمال زفاف عروس يمنية إلى عش الزوجية، في منطقة هيسان في محافظة مأرب، حينما استهدفت بـ 3 غارات جوية، مجموعة من النسوة كنّ يشاركن نقل العروس إلى بيت زوجها، قبل مقتل 11 منهن في الغارات، وإصابة أخريات، في منطقة خالية من أي عمليّات حربية.

هروب من صالات الأعراس
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، أقام وزراء في حكومة «الإنقاذ الوطني» ومحافظي محافظات ومسؤولين سابقين وشخصيات عامة ورجال أعمال، حفلات أعراس لأولادهم على نطاق محدود جداً، اقتصر حضورها على أقارب لهم، وذلك منذ تكرار تصيد «التحالف» حفلات الأعراس ومجالس العزاء والمناسبات الاجتماعية والأسواق العامة، وشهدت صالات أعراس ومناسبات عامة في صنعاء، تدافع الحضور بما فيهم العريس نحو بوابة الصالة، هروباً عند سماع تحليق طيران «التحالف» في سماء صنعاء.

قتل ممنهج وإبادة جماعية
من جانبها، إتهمت وزارة حقوق الإنسان في حكومة «الانقاذ» في صنعاء، دول «التحالف» بتعمّد «قتل الشعب اليمني وإبادته بشكل جماعي، مستخدمة كل الوسائل والأسلحة المحرمة دولياً»، معتبرة الجريمة التي ارتكبتها طائرات «التحالف» في حفل زفاف في محافظة حجة «عملاً ارهابياً مروعاً».

وفيما جدّدت دعوتها إلى تشكيل لجنة دولية محايدة، لتقصي الحقائق والتحقيق في كافة الجرائم والانتهاكات، طالبت وزارة حقوق الإنسان من المبعوث الدولي والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، لاتخاذ قرارات فورية بإيقاف الحرب على اليمن، ورفع الحصار الشامل المفروض على المنافذ البرية والبحرية والجوية من قبل دول «التحالف»، وحملت المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، مسؤولية ما يتعرض له الشعب اليمني من قتل ممنهج من قبل دول «التحالف»، مطالبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، «بإطلاع المجتمع الدولي على هذه الجريمة والجرائم المماثلة لها، والتي أودت بعشرات المواطنين الآمنين في حفلات الأعراس».
إدانة أممية
من جهته، أدان أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بشدّة، الضربات الجوية على حفل زفاف في حجة، وعلى مركبات مدنية في تعز، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 50 مدنياً، بما في ذلك أطفال، وإصابة العشرات. وفي بيان منسوب إلى المتحدّث باسمه، أعرب الأمين العام عن خالص تعازيه لأسر وأصدقاء الضحايا، وذكّر جميع الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، فيما يتعلق بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، خلال النزاعات المسلحة، داعياً إلى إجراء تحقيق سريع وفعّال وشفاف.

وتوثيق حقوقي
وفي تقريرها لعام 2018، الذي يتضمّن مراجعة سنوية لحقوق الإنسان حول العالم خلال العام 2017، وثّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، كيفية «استمرار التحالف بقيادة السعودية، في حملته الجوية والبرية على اليمن بلا هوادة»، مشيرةً إلى أن «التحالف نفذ عشرات الضربات الجوية العشوائية وغير المتناسبة على أعيان مدنية قتلت الآلاف من المدنيين في انتهاك لقوانين الحرب، بذخائر ما تزال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها من الدول توفرها»، ووثقت المنظمة «85 غارة جوية للتحالف تبدو غير شرعية، أدت إلى مقتل قرابة ألف مدني، وأصابت منازل وأسواق ومستشفيات ومدارس ومساجد. قد ترقى بعض هذه الهجمات إلى جرائم حرب».

تحقيقات موعودة
يطوي السعوديون الملف، بوعود مسؤولين في «التحالف» بالتحقيق فيما يسمّونها «مزاعم» استهداف مدنيين في حفلات أعراس ومجالس عزاء، تماماً كما علق على العمليات الأخيرة، التي استهدفت خيمتى زواج في مديرية بني قيس، إذ خرج المتحدث الرسمي باسم قوات «التحالف»، العقيد الركن تركي المالكي، بتكرار البيانات السابقة، بأن «القيادة المشتركة للتحالف، تقوم بمراجعة إجراءات ما بعد العمل لعملياتها المنفذة كافة، خصوصاً مكان وزمان الحادث محل الادعاء»، وأنه «سيتم الإعلان عن النتائج الأولية، حال الانتهاء من إجراءات المراجعة الشاملة والتدقيق العملياتي»، مجدداً التأكيد على «حرص قيادة القوات المشتركة على تبنيها وتطبيقها لقواعد الاشتباك، بما ينسجم ويتماشى مع قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، والتزام قوات التحالف القانوني والأخلاقي بحماية الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية، واتخاذها لكل الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تضمن تجنيبهم آثار الصراع».