لوهلة دع عنك فكرة تغيير صورة البروفايل في وسائط التواصل الإجتماعي إلى صورة براقة لقبة الصخرة والعلم الفلسطيني يرفرف شامخا بجانبها، وتجاوز أي رغبة جامحة في الإستماع لأوبريت الضمير العربي أو زهرة المدائن بصوت فيروز، واسأل نفسك، كما سألت نفسي، ما الجدوى حقا من الغضب العربي؟

وعد بلفور جديد؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعتراف بلاده رسميا بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وتضمن الإعلان الأمريكي أوامر لوزارة الخارجية الأمريكية ببدء إجراءات نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. خلف هذا القرار، كما كان متوقعا، استنكارا كبيرا في الأوساط الشعبية والرسمية من طنجة إلى جاكارتا. نتذكر جميعا موقفا مشابها عندما انتشرت في أوروبا موضة الرسوم والأفلام المسيئة للإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم. عمت حينها موجة استنكار ومظاهرات عارمة في كل المدن عبر العالم الإسلامي والتي لا ينكر أهميتها أحد من حيث جذب الأنظار والضغط على الرأي العام العالمي، لكن في المقابل، أليست هذه المظاهرات وما يتخللها من حرق أعلام، وقتها الدانمارك والسويد، وربما اليوم، الولايات المتحدة وإسرائيل، مجرد ردود أفعال شعبية، أحادية، وقتية ومرتجلَة، في حين أن عالم السياسة الذي تحكمه المصالح والقرارات السيادية لن تؤثر عليه مثل هذه الردود الشعبية ما لم تتزامن معها قرارات سياسية جريئة تضع حدا لاستباحة المقدسات الإسلامية بدءًا بالرسول محمد والقرآن الكريم وأخيرا القدس. من الغريب حقا أن تدعي القيادات العربية استغرابها لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وكأن القادة العرب لا يعرفون ترامب ولا نهجه وآراءه، خاصة فيما يتعلق بالعرب والمسلمين وقضية فلسطين. الرئيس الأمريكي، وقبل دخوله البيت الأبيض،لطالما عبر علانية عن دعمه لإسرائيل بشكل دائم وكلي، فمن أين للحكام العرب بهذه الصدمة والدهشة الفجائية؟

لا يتطلب الأمر ذكاءً خارقا لكي يتوقف المرء عند غرور الرئيس الأمريكي وإعتباره للشرق الأوسط مجرد دويلات متخلفة وجب عليها الدفع نقدا للولايات المتحدة مقابل حماية مفترضة وقواعد عسكرية دائمة.لقد أكد ترامب نظرته الدونية للدول العربية وكأنها حدائق خلفية للبيت الأبيض، فمرة يتحسر على النفط العراقي قائلا أن بلاده كان من المفروض عليها سرقة النفط العراقي، ومرة يهدد السعودية بأنه سيرحل عائدا لبلاده في حال لم يستقبله في المطار الملك أو أي من كان في الحكم حسب تعبيره، في إشارة إلى استقبال أوباما من طرف أمير منطقة الرياض بدلًا عن الملك. هذه التهديدات ومعها تصريحاته الدائمة عن ما يسميه هو الإرهاب الإسلامي الراديكالي، وخطته لمنع المسلمين من دخول أمريكا ربما هي التي صنعت منه بعبعا يخشاه الحكام العرب ويقابلون عداءه الواضح بصدور رحبة.. و500 مليار دولار.

إذن في الحقيقة اجتمع الأمران معا، غرور رجل يعادي العرب بشكل صريح، وربما هذا ما يجعله مختلفا عن باقي الرؤساء الأمريكيين الذين لم يعلنوا عداءهم للإسلام علانية، ودرجة غير مسبوقة من الركوع والخضوع العربي الرسمي.

أزمة قطر واحتمالات التطبيع

 كان من الواضح الدور الذي لعبه ترامب في الأزمة الخليجية، فمباشرة بعد زيارته للمنطقة عمت خلافات سياسية غير مسبوقة. بدأت السعودية ومعها مصر والإمارات والبحرين في اتهام قطر بدعم وتمويل الإرهاب، وبأنها تعمل على زعزعة استقرار جيرانها، الأمر الذي نفته الدوحة بشكل مطلق. التزمت الإدارة الأمريكية الحياد، على الأقل علنيًا، باعتبار أن الأزمة نشبت بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، لكن الإشارات القادمة من البيت الأبيض تدل على ميول أمريكي واضح للطرح السعودي الحالي، وتوافقا تاما مع التغيرات التي تعرفها بلاد الحرمين. فبعدما قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحملة اعتقالات واسعة وشرسة على أمراء ووزراء حاليين وسابقين، أشاد الرئيس الأمريكي بالخطوة، وأكد أنه يدعم تحركات ولي العهد السعودي. في تلك الأثناء، كانت حرب إعلامية تدور رحاها بين الذراعين الإعلاميين لكل من قطر والسعودية؛ قناتي الجزيرة والعربية. لم تكتف هذه الحرب الإعلامية بخدمة أجندات كل طرف والضرب في الطرف الآخر، لكن تجاوزت إلى كشف خبايا للرأي العام لم تنشر من قبل، مثل ما قامت به قناة الجزيرة القطرية من عرض لمعلومات عن تقارب سعودي-إسرائيلي في الآونة الأخيرة. هذا التقارب السعودي الإسرائيلي اتخذ عدة أشكال، منها زيارات سرية لم تكشف، خاصة تلك التي تحدتث عن زيارة سرية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتل أبيب في سبتمبر الماضي. هذه الزيارة نفاها المسؤولون السعوديون، ومنهم الجنرال السابق أنور عشقي، المتهم هو الآخر بالترويج لسياسة التطبيع مع إسرائيل، ومنها تصريحات لكتاب وإعلاميين سعوديين تروج لفكرة التطبيع مع إسرائيل تحت ذريعة أن إيران هي الخطر الأكبر.

كل هذا وفر للرئيس الأمريكي الأرضية المناسبة لإصدار مثل هذا القرار في الوقت المناسب يعرف فيه البيت العربي فوضى عامة وخلافات غير مسبوقة. في رأيي الشخصي، أعتقد أن هذا القرار من الممكن أن يكون له أثر عكسي إيجابي في خدمة القضية الفلسطينية عبر جر أنظار العالم مرة أخرى للقدس، بعدما قل الاهتمام العالمي بفلسطين بعد سنة 2011. هذه الإيجابية تكمن في أن يشكل هذا القرار تعاطفا عالميا مع قضية الشعب الفلسطيني، وصدمة شعبية في الوطن العربي نعيد معها بناء المفاهيم والتأسيس من جديد لنظرة أخرى لعلاقاتنا مع البيت الأبيض، المسؤول الأول والرئيس في أغلب مآسي العالم الإسلامي من أفغانستان، إلى الصومال والعراق، وأخيرا ليبيا ومصر وسوريا وفلسطين.