كل ما يجري من حولك

اجتماع القاهرة حول القدس: رفع عتب لولا جُرأة باسيل

631

حسن سلامة

شكّل اجتماعُ وزراء الخارجية العرب من حيث ابتعاده الكامل عن اتخاذ الخطوات الجدية والعملية للرد على وعد “بلفور” الجديد الذي تمثّل باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بان القدس “عاصمة” لكيان العدو الإسرائيلي ونقل السفارة الأميركية إليها تعبيرٌ واضحٌ عما وصلت إليه الأنظمة العربية من تخاذل وتَخَــلٍّ عن القضية المركزية المتمثل باحتلال هذا العدو لفلسطين وأراضيَ عربيةٍ واسعة، ولذلك ترى مصادر دبلوماسية أن ما تمخض عن اجتماع القاهرة لا يعدو كونه عملية رفع عتب من جانب هذه الأنظمة تجاه ما قام به ترامب من عدوان على مئات الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين، وما يمثله هذا القرار من تجاوز لقرارات مجلس الأمن وكل الأعراف والمواثيق الدولية.

وبدا واضحًا -بحسب المصادر- أنه لولا الكلمة الجريئة والمعبّرة عن حقيقة ما يُفترَضُ أن يذهب إليه وزراء الخارجية العرب والتي عبّر عنها وزير الخارجية جبران باسيل والاعتراض الذي سجّله على خلو القرارات من أية خطوات عملية أو جدية تُشعِر الأميركي بمدى خطورة ما فعله تجاه القدس وتحديه لمشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين، فإن ما صدر عن الاجتماع ليس أكثر من رفع عتب من شأنه أن يشجّع الأميركي والإسرائيلي على مزيد من الخطوات لتهويد الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وُصُوْلًا إلى طرد مئات الاف الفلسطينيين من كُلّ أراضي فلسطين المحتلة”.

وعلى هذا الأساس، تقول المصادر إن “أحدًا لم يكن يتوقع أن يخرج اجتماع وزراء الخارجية العرب بقرارات على مستوى الحدث وعلى مستوى الهبة الشعبية التي عبرت عن نفسها في داخل فلسطين المحتلة وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي وفي عشرات الدول في كُلّ أنحاء العالم، بل إن هذه القرارات لاجتماع القاهرة لم تبلُغْ مستوى حفظ ماء الوجه للأنظمة العربية، وهو الأمر الذي سيعاد تكراره في مؤتمر القمة الإسلامي”.

ولذلك، فالسؤال الذي تطرحه المصادر الدبلوماسية عن هذا الدرك الذي وصلت إليه أكثرية الأنظمة العربية والذي دفع الرئيس الأميركي لاتخاذ قراره بحق فلسطين والعرب والمسلمين والمسيحيين؟

ووفقَ ما تراه المصادر: “فهذه الخفة التي تعاطى بها اجتماع القاهرة مع قضية على مستوى قضية القدس مرده إلى معطيات وأوهام تتعلق بواقع هذه الأنظمة، وهو الأمر الذي شجّع ترامب على خطوته”، ليس أقلها الآتي:

_ أولاً: ابتعاد هذه الأنظمة خاصة أنظمة الخليج عن القضية العربية المركزية المتمثلة باغتصاب العدو الإسرائيلي لكامل أراضي دولة فلسطين وأراضي عربية أخرى، ومحاولة هذه الأنظمة قلب الحقائق من خلال استبدال أولوية تحرير فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة إلى صراع بين هذه الأنظمة ومحور المقاومة بدءاً مما تمثله إيران من رأس حربه في قلب هذا المحور.

_ ثانياً: حاجة أنظمة الخليج إلى الحماية الأميركية لإبقاء هيمنتها على شعوب هذه الدول، خاصة ما يمثله النظام السعودي من رأس حربة في المشروع الأميركي _ الإسرائيلي، وما قاله الصحافي البريطاني المعروف ديفيد هيرست من أنه “لولا صبية الخليج العابثون لما قام ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، دليل على أن ما قام به الرئيس الأميركي لم يكن ليحصل لولا تواطؤ أنظمة الخليج أو بعضها على الأقل.

_ ثالثاً: ما قام ويقوم به بعض أنظمة الخليج من سعي محموم للتطبيع مع العدو وصلت إلى ممارسة كُلّ أشكال الابتزاز والضغط على رئيس السلطة الفلسطينية من قبل محمد بن سلمان للموافقة على ما يسمى صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية وبما يؤدي إلى إقامة تحالف علني على كُلّ المستويات بين هذه الأنظمة وكيان العدو.

فهذه الأنظمة تخلّت ليس عن القدس، بل عن كامل قضية فلسطين قبل أن يعلن ترامب قرارَه الأخير، من خلال الصفقة التي جرى الاتفاق عليها بين بعض أنظمة الخليج والإدارة الأميركية الجديدة وكيان العدو، والتي تقترح أن تكون بلدة “أبو ديس” عاصمةً لدولة مسخ للشعب الفلسطيني بديلاً عن القدس، إضافة إلى إسقاط قضية العودة لفلسطيني الشتات وُصُوْلًا إلى حصر هذه الدويلة بأقل من 30 بالمئة من الضفة الغربية المحتلة ومن ضمن مناطق مقطعة الأوصال.

وتلاحظ المصادر أن قيامَ وفد مشبوه ومكلَّف من حاكم البحرين بزيارة القدس المحتلة ولقائه مسؤولين من العدو الإسرائيلي بالتوازي مع اجتماع القاهرة وبعد ساعات من قرار ترامب يؤكد على مدى تآمر هذه الأنظمة على القضية الفلسطينية بدءًا من قضية القدس.

تؤكد المصادر أنه “رغم تخاذل الأنظمة العربية، فالرهانُ الأول والأخير يبقى على تصعيد الشعب الفلسطيني لانتفاضته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وُصُوْلًا إلى إعَادَة الاعتبار لمنطق المقاومة لتحرير الأرض بدءًا من القدس بعد أن ثبت طوال أكثر من 70 عامًا أن كيان العدو ومعه الأميركي لا يفهمان إلا لغة المقاومة الذي وحدَه يحرر الأرض ويعيد الحريةَ لفلسطين، وهو ما ثبت في تحرير جنوب لبنان وقطاع غزة والانتصارات الأخرى في مواجهة غطرسة وعدوانية “إسرائيل” ومعها الغطرسة الأميركية.

You might also like