كل ما يجري من حولك

قراراتُ سلطة الاحتلال أنهت وجودَ الشرعية المزعومة.. العدوان يرسُمُ خريطة جديدة لحضرموت بمعزل عن اليمن (تقرير)

589

تمُرُّ محافظة حضرموت بمرحلة تنفيذية أكثر تقدماً من غيرها للمُخَطّط الأمريكي البريطاني لتقسيم اليمن وفصل حضرموت عن اليمن، والذي يعود لسنوات مضت ووجد في العدوان على اليمن أنسب بيئة لتنفيذ لك المُخَطّط.

اللواء السعودي المتقاعد ومستشار ملك السعودية أنور عشقي الشهير بلقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين ويُعرَفُ بأنه عرّاب التطبيع السعودي الإسرائيلي، شارك في ندوة شارك فيها مسؤول إسرائيلي في أغسطس 2015 أي بعد خمسة أشهر من العدوان قال فيها إن هناك “حقلاً نفطياً واعداً في الربع الخالي، سوف يلزم دول مجلس التعاون الخليجي واليمن أن تتحد لحمايته وحماية مكتسباتها”. عشقي أضاف شيئاً غريباً عندما قال إن اليمن والسعودية لن تكونا قادرتين على استغلال ثروات الربع الخالي إلا “بتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل”.

حديث عشقي لم يكن مجرد خبير يقدم ورقة في ندوة، ففي مصر وبعد أيام من صدور حكم قضائي جديد ينقل السيادة على جزيرتي “تيران وصنافير” المصريتين إلى السعودية وتسبب بغضب شعبي كبير، قال سمير غطاس عضو البرلمان المصري ورئيس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في حوار مع صحيفة “فيتو” المصرية: إن “السعودية أنهت صفقة تيران وصنافير في إسرائيل”، مضيفاً أن ذلك “بدأ باجتماع اللواء أنور عشقي بأعضاء الكنيست الإسرائيلي في القدس، الذي كان بمثابة رسالة رسمية من وزير الخارجية السعودي إلى إسرائيل قبل التوقيع على اتفاقية تيران وصنافير في مصر بعشرة أيام”.

بالعودة إلى اليمن، كشفت مصادر وثيقة الاطّلاع، أن الخارجية الأمريكية رعت مؤتمراً كبيراً أقيم في جمهورية “التشيك” خلال الشهرين الماضيين لمناقشة تقسيم اليمن، بالتزامن مع مُخَطّط أمريكي آخر لتقسيم ليبيا والذي كشفت عنه صحيفة “الغارديان” البريطانية في عددها الصادر أمس الأول.

الصحيفة البريطانية قالت إنها حصلت على خطة رسمية قدمها مساعد ترامب في العلاقات الخارجية “سباستيان غوركا” والذي ينتظر قرار تعيينه مبعوثاً أمريكياً إلى ليبيا. وتضمنت الخطة بحسب “الغارديان” أن يتم تقسيم ليبيا لثلاث دويلات الأولى في الشرق تسمى “برقة” حيث النفط الوافر، والثانية “طرابلس” في الغرب، والثالثة “فزان” في الجنوب.

الصحف الأمريكية كشفت أيضاً مُخَطّطات مماثلة لتقسيم سوريا والعراق على أُسُس طائفية وعرقية (سُنّة، شيعة، أكراد)، فيما تجاهر واشنطن بدعم الأكراد حالياً في سوريا والعراق وتركيا في إطار المُخَطّط ذاته.

وبالنظر للدول الأربع (اليمن، سوريا، العراق، ليبيا) نجد أنها جميعاً شهدت وتشهد عدواناً أمريكياً متعدد الأشكال في كُلّ دولة، فيما المُخَطّطات الأمريكية والبريطانية لتقسيمها لم تكن وليدة السنوات القليلة الماضية، أي أن هناك تحركات لا تتوقف وتصورات للتقسيم تخرج بين الحين والآخر. وعلى سبيل المثال في 2013 عقد السفير البريطاني بصنعاء آنذاك “نيكولاس هوبتين” اجتماعاً مع شخصيات من جزيرة سقطرى والمهرة الذين تلقوا وعداً من السفير بإعلان جزيرة سقطرى والمهرة ومحافظة حضرموت إقليماً موحّداً.

الكشف عن المُخَطّطات التي تديرها المخابرات الأمريكية أَوْ السعودية عبر وسائل الإعلام ليست مجرد تسريبات خارجة عن إرادة تلك الأجهزة، بل إنها تتعمد تسريب جوانب من مُخَطّطاتها في الدول الأخرى؛ بهدف التمهيد لتنفيذها بموازاة خطوات داخلية في الدول المستهدفة التي تبرر تنفيذ تلك المُخَطّطات، كما يحدث اليوم في حضرموت تحت غطاء سياسي تستخدم فيها الشخصيات العملية على غرار ما يفعله محافظ حضرموت المعين من قبل الاحتلال الإماراتي والعميل خالد بحاح وغيرهما.

في سياق التمهيد الإعلامي وبالتزامن مع انطلاق العدوان على اليمن قبل عامين عبرت بعض وسائل الإعلام السعودية عن رغبة النظام السعودي بضم حضرموت إلى المملكة، ولم يصدر أي نفي سعودي لما تم نشره؛ ولأن الولايات المتحدة تدير مُخَطّط التقسيم فقد خرجت الأمورُ عن سيطرة السعودية التي تسعى لضم حضرموت وانتقلت للإمارات لكن مساعي التقسيم وفصل المحافظة ما يزال قائماً.

  • التقسيمُ يتقدّم خطواتٍ بمؤتمرات استقلال

تدير الولايات المتحدة الأمريكية تحالف العدوان بقطبيه السعودي والإماراتي، وتدير في ذات الوقت خلافات الطرفين الذين تتصاعد خلافاتهما وتتصادم مصالحهما في كثير من الأحيان في اليمن لكنهما، وعلى ورغم التصادم لا خلاف لديهما مع الولايات المتحدة بما يؤكد أن الأخيرة تستفيد من تلك الخلافات وتعتبرها بيئة مساعدة على تنفيذ مُخَطّط تقسيم اليمن.

في حضرموت وجزيرة سقطرى، قطع الأمريكيون شوطاً كبيراً في تنفيذ مُخَطّطهما لفصل المحافظتين حتى عن السلطة الصورية لمرتزقة الرياض.

ويجري في الوقت الحالي الإعدادُ لعقد ما أطلق عليه “مؤتمر حضرموت الجامع” بدعم إماراتي مباشر وأبرز مرتزقة الإمارات على رأسهم محافظ المحافظة من قبل الاحتلال أحمد سعيد بن بريك والمرتزق الآخر خالد بحاح.

وفيما يرى البعض أن ما يجري في حضرموت هو مساعٍ إماراتية لمنح المحافظة الاستقلال عن سلطات حكومة الرياض، خصوصاً أن المحافظ المعيّن من قبل الاحتلال أصدر قراراً يُلغي القرارات الصادرة من قبل عدن وتضمنت تعيينات في حضرموت وعدم التعامل معها، إلا أن هذا النوعَ من الانفصال عن حكومة المرتزقة ليس سوى تعبير عن الخلافات القائمة بين السعودية والإمارات ورفض الأخيرة للفار هادي، لكن مشروع التقسيم وفصل حضرموت تظل انطلاقته من المُخَطّط الأمريكي لفصل المحافظة عن اليمن.

في البيان الذي نشره المرتزق “خالد بحاح” الذي أعلن فيه عن “مؤتمر حضرموت الجامع” دعا فيه السلطة المحلية في حضرموت (سلطة الاحتلال) إلى رعاية المؤتمر، وتعمّد وصف تلك الرعاية بأنها يجب أن تراعيَ “استقلالية” العمل المجتمعي والغرض هنا من استخدام مصطلح “الاستقلال” هو تأكيد أن حضرموت تتمتع بصلاحيات “الحكم الذاتي” خصوصاً أن بحاح أضاف للبيان عبارة تقول “السلطات المركزية لها أن تبارك أَوْ تكف عن التعليق السلبي كأقل تقدير” وهي العبارة التي تحظى بدعم إماراتي واضح وتحذير صريح من الاعتراض على “استقلال حضرموت” والذي جاء ضمنياً في العبارة التالية من البيان والتي تقول “سيكون من الصادم اعتراضها وعرقلتها (يقصد حكومة الفار هادي) بصورة غير مسؤولة إرضاءً لطرف سياسي أَوْ مكونات تتصف بالأنانية ولا تفكر بعاقبة شق صف المجتمع كناتج سلبي مؤسف لن يتوقف عند حدود محافظة معينة”.

وتشير مصادر إلى أن المؤتمر الذي سينعقد في حضرموت سيشهد إعلاناً من طرف واحد يمنح المحافظة “الحكم الذاتي” وهو الحكم الإماراتي الأمريكي في الواقع.

الخلافاتُ السعودية الإماراتية ترى فيها الولايات المتحدة بيئةً مناسبةً للمُضي في مشروع التقسيم طالما الإدارة الأمريكية على ثقة تامة أن تلك الخلافاتِ لن تمتدَّ إلى خلاف سعودي أَوْ إماراتي معها باعتبار الطرفين تابعين لواشنطن وليس حليفين لها.

النظام السعودي حاول جَسّ نبض الإمارات في حضرموت عندما أصدر توجيهاً للمرتزقة أحمد عبيد بن دغر للتوجه إلى حضرموت لمنع الإعلان عن عقد “مؤتمر حضرموت الجامع”، وبحسب مصادر جنوبية ورغم الاعتراض السعودي إلا أن بحاح أعلن عن المؤتمر ورفضت سلطات الاحتلال في حضرموت دخول المرتزق بن دغر الأمر الذي دفعه قبل أيام للعودة إلى الرياض بعد ساعات من مغادرتها.

وفي سياق تطور الأحداث في حضرموت وجهت الإمارات رسالة هجومية للفار هادي عبر “بحاح” الذي شن هجوماً عنيفاً عليه تضمن التشكيك بما يسمى “الشرعية” وتعريضاً صريحاً بفشل حكومة مرتزقة الرياض في السيطرة على الأوضاع في عدن وأبين وغيرهما.

بحاح في منشور بصفحته الرسمية بموقع “الفيسبوك” قال “الشرعية تضبط الانفلات الأمني وتحارب الفساد بصدق، تحرص على إعطاء صورة حقوقية إيجابية وصادقة للمجتمع الدولي ومؤسساته ولا تنزلق في أجندات ضيقة”. وأضاف في المنشور ذاته قائلاً “الشرعية ليست مجرد صفة أَوْ صك، وإنما مسؤولية تأريخية”.

  • الإمارات تغرد بحضرموت خارج السرب العدواني

لم يكن رفض سلطات الاحتلال بحضرموت دخول المرتزقة أحمد عبيد بن دغر هو التعبير الوحيد عن فصل المحافظة عن حكومة المرتزقة، بل يمكن القول إن التعبير الأقل أهمية مقارنة بالقرارات الصادرة عن محافظ الاحتلال “بن بريك” التي ألغت أية سلطة لحكومة المرتزقة.

في يناير الماضي وعبر دوائرَ مقرَّبة من “أحمد سعيد بن بريك” محافظ حضرموت المعيّن من قبل الاحتلال، كان الأخير يلوّح بالاستقالة؛ احتجاجاً على ما وصفته تلك الدوائر بتدخلات الفار هادي والمرتزق بن دغر في شؤون المحافظة، وهو التدخل الذي يفترض أنه طبيعي إذا كان بن بريك يعترف بأن الفار هادي رئيسٌ والمرتزق بن دغر رئيس حكومة، لكن ذلك الاحتجاج كان تمهيداً لجرعة دعم إماراتية أعطت بن بريك ضوء أخضرَ؛ للتخلص بشكل تام من سلطة المرتزقة والاستقلال الذاتي بالمحافظة.

خلال شهر أبريل الجاري صدر عن المحافظ التابع للاحتلال “بن بريك” قراران رسميان جرى نشرهما في وسائل الإعلام الإماراتية والموالية للإماراتيين وتضمنا استقلالاً كاملاً للقرار في المحافظة عن سلطة حكومة المرتزقة.

في 29 مارس الماضي نشرت وسائل الإعلام الإماراتية والموالية وثيقةً عبارة عن قرار صادر عن “بن بريك” يوجه فيه مسؤولي المحافظة التابعين للاحتلال بعدم التعامل مع أي قرار صادر من عدن.

ونص القرار على “نظراً لما تقتضيه مصلحة محافظة حضرموت وبعد تكرار إصدار التعيينات والترقيات مركزياً دون عِلْم المحافظة، فإننا نوجهكم بعدم قبول أية تعيينات في أي منصب من المناصب بالمحافظة تصدر مركزياً، سواء رئاسية أَوْ حكومية أَوْ وزارية، وتعتبر غير معترف بها ما لم يكن قد أصدرنا بها تعميم من قيادة المحافظة”. انتهى القرار.

لم يكن القرار مجرد عمل تنظيمي والتزام بالقوانين، فالقرار يكشف انعدام أي اتصال بين سلطة الاحتلال في حضرموت وسلطة المرتزقة في عدن، وتعمّد بن بريك عدم توجيه رسالة اعتراض لحكومة المرتزقة على التعيينات لكنه انتقل مباشرة لإلغاء تلك القرارات وعدم الاعتراف بها؛ لمعرفته أن الفار هادي لا يملك القدرة على إقالته وإلا كان قد فعلها كما حدث مع بحاح.

*صدى المسيرة: إبراهيم السراجي

 

You might also like