كل ما يجري من حولك

ماذا يريد اليمنيون من العام 2017؟

426

متابعات| العربي:

من خيمة النزوح وظلام المدن الموحشة وأطلال القرى المدمرة، وعلى وقع القذائف واجتياح الجوع ووجع الفقد، يودع اليمنيون عاماً مليئاً بالأحداث الدموية، ومشاهد العنف والدمار. يمضي العام الثاني من عمر الأزمة اليمنية ولا زالت الحرائق تندلع، والهوة تتسع بين أبناء الوطن الواحد، فيما دول الجوار تخوض حروبها العبثية وكأن اليمن بئر ماء متنازع عليه في مراعي الصحراء، وليتهم يدركون أن اليمن ما هي إلا شرارة في جزيرة النفط العربية، وأن الحرائق إذا لم يتم حصرها وغلق منافذ امتدادها فإنها حتماً ستمتد لتشمل أراضيهم.
في استقصاء سريع لآمال اليمنيين من العام 2017، كانت النتائج محبطة ومحزنة للغاية. أحلام وآمال شريحة واسعة من الشباب اقتربت كثيراً من واقعهم المرير، ذلك أنهم تعرضوا خلال الحرب لخيبة أمل كبيرة كسرت طموحهم فضاق أفقهم، وهبط سقف مطالبهم إلى الحد الأدنى. يعتصرك الأسى وأنت تحاول أن تسأل شيخاً مسناً يقف في طابور مكتب البريد لاستلام نصف الراتب بعد توقفه أربعة شهور. تجاعيد وجهه تحكي قصة معاناة ويأس وحرمان. يقول إنه كان مناضلاً في الصف الأول يدافع عن الثورة، ويزيد باقتضاب: “الراتب يا ولدي، نشتي الراتب”.
في الناحية الأخرى، نساء يجلس قرب إحداهن معاق حرب. وجوه حزينة، تهم أن تذهب لتسألها، وعندما ترى علامات البؤس والحرمان مرسومة عليها تفضل أن تقف بعيداً. في زاوية بعيدة عن تجمع الناس، تجلس امرأة مسنة بجانبها أرملة ابنها الشهيد، وهي فتاة تبدو في مقتبل عمرها لم تغب عنها معالم الأنوثة رغم محاولتها قتل تلك المعالم قسراً. لم تذكر اسمها باعتباره رقماً غير مهم. قالت: “أملنا أن يعيدوا لنا مصدر رزقنا الوحيد، ما لقينا ما نصرف عليهم القوت الضروري غير مصاريف المدرسة، لا أنا قادرة اشتغل، ولا به أشغال أصلاً”.
في مكان تجمع عمال البناء، قابلنا عبد الرقيب المقطري، أحد النازحين من محافظة تعز. يتمنى فقط العودة إلى بلدته، وإعادة فتح متجره الذي نهبته “المليشيات”، بعد أن انتهى به الحال هو وأسرته في أحد مخيمات النزوح في محافظة صنعاء. غالبية الشباب الذين شملهم الإستطلاع يحلمون بالهجرة والسفر والخروج من اليمن، ويرجون فتح المطارات والمنافذ. محمود النهاري، مهندس كهرباء حاصل على البكالوريوس من الجمهورية اللبنانية، عاد إلى اليمن قبل اندلاع الحرب. يقول: “آمل في أن يرى العالم معاناتنا، كشباب متعلم ومؤهل لا نجد فرصة عمل في بلد أنهكته الحروب وخنقه الحصار وبحت أصوات أبنائه ولا مجيب. أتمنى أن يعي العالم أن أبناء اليمن بشر لهم الحق في السفر والهجرة والخروج من المنافذ بلا تحر ولا تفتيش مذل ولا اختطاف… أملي أن تعترف منافذ دول الجوار بجوازنا اليمني وتدخلنا ولو عبور للخروج من هذا الجحيم”. وأضاف: “نحن نتعرض في اليمن لموت بطيء، لمجزرة ستقضي على غالبية الشعب إن استمر الوضع على حاله؛ فمن لم يمت بقذائف الحرب ونجا من طيران التحالف سيقتله الجوع والمرض لا محالة”.

أحمد هادي، موظف حكومي، يريد أن يأتي العام 2017 وقد عادت الكهرباء بعد أن تحولت حياة الناس إلى ظلام، ويتمنى أن يرى “انفراجاً لهذه الأزمة التي أحالت حياة الشعب إلى جحيم، وتنتهي الحرب التي طالما أرقت حياة الناس وأنهكت مصادر دخلهم”، فيما يقول صفوان عبد الواحد، كاتب ومدون، إن “أول خطوة نتمنى أن تتحقق في العام 2017 أن يتم الإتفاق بين القوى المتصارعة لإنهاء الحرب، ثانياً تتم العودة إلى طاولة الحوار الوطني ويتم استكماله. هذه أهم نقطتين من وجهة نظري يجب تحقيقها في الوقت الراهن، حتى تتم التهيئة لفكرة استعادة الدولة”. فاطمة المغربي، شابة تعمل في منظمات المجتمع المدني، تشير، من جهتها، إلى أن “من حق كل إنسان أو حيوان أن يجد قوت يومه”، وتأمل أن “يستلم الموظفون مرتباتهم بانتظام، وتنخفض أسعار السلع الأساسية”. وتتابع: “يكاد المواطن اليمني يفقد صوابه من الحال الذي وصلنا إليه، وربما أدى استمرار هذه الأزمة إلى انتحار الكثير، طالما الأفق مسدود والحصار قائم والحرب مشتعلة”.
عبد الله حزام، مهندس كمبيوتر، يتمنى هو الآخر أن تفتح المطارات والمنافذ، ولا يتوقع انفراجاً قريباً للأزمة، معلقاً “يسمحوا لنا بالرحيل فقط، وليأخذوا المكاسب والمناصب والوطن”، في حين يريد ماهر الذيفاني، تاجر شاب تأثر كغيره من التجار بالحرب حتى خسر كل شيء،”من 2017 أن تتركني أعيش كإنسان طبيعي قادر على ممارسة الحياة والإنتاج والإبداع والإستمتاع باللحظات الجميلة دون قلق، دون اكتئاب، دون الإحتياج للإسراف في تناول القات والأقراص المخدرة للأعصاب التي أستخدمها لتجاهل كل ما يحدث على المستويين الشخصي والعام. أريد منها فقط أن تتركني أعيش كإنسان… لا أعتقد أني أطلب المستحيل”.
ويعلق عاصم العشاري، المدير التنفيذي لمنظمة “رنين اليمن”، ساخراً: “أتمنى ينتهي مسلسل قادمون يا صنعاء وبرنامج صامدون. بالمقابل، أتمنى أن أجد برامج اقتصادية تقدم حلولاً لمشاكل الشباب المنهك من جولات الصراع اللامنتهي بين زعماء الحرب في بلادي، أتمنى يأتي العام الجديد واليمنيون يدركون حقاً معنى التعايش الحقيقي بعيداً عن قاموس المصطلحات النتنة التي أفرزتها سنوات الضياع والتشرذم. أتمنى أن يكون عام النسيان، ينسى فيه كل يمني كل مصيبة حلت عليه من قبل ليبدأ حياة جديدة متفائلة وبالخير مفعمة، طبعاً إذا بيكون عام تتكرر فيه المآسي اللي حصلت بعامنا هذا فأتمنى أن لا يأتي!”.
الدكتور فوزي الشامي، رئيس منظمة “سراج” للتنمية، كان أكثرهم تفاؤلاً بالعام الجديد، وقال لـ”العربي” “أتمنى أن يمتلك اليمن القرار المستقل، وأن ينتهي التدخل الخارجي بالشأن اليمني، وإذا امتلك اليمن قراره فاليمن إلى خير، وكل شيء فيه ممكن للحياة، السيادة والأمن والإزدهار والخضرة في الأرض والروح؛ أما إذا ظل الجميع مرتهناً لإرادة القوى الخارجية فلا أمل بالخلاص على المدى القريب”. ويزيد: “على الصعيد الشخصي أتمنى العودة إلى اليمن بعد أن أجبرتنا الحرب على البقاء خارجها، وأن يعود إلى اليمن السلام والأمن والإستقرار، وأن يتفق الفرقاء جميعهم، فلا مجال لتخوين أحد وليقر الجميع بأنهم أخطأوا بحق الوطن، هذا الوطن للجميع إما أن نعيش به جميعاً أو يقضى عليه. وأتمنى من أطراف الصراع العودة إلى طاولة الحوار والإمتناع عن أي عمل يزيد التوترات خطورة والشروع في تحقيق الوفاق”.
أحد اللاجئين اليمنيين في أوروبا يرجو أن لا يضطر للعودة إلى اليمن، ويقول إنه وإن تمنى انتهاء الحرب فهي “أمنية مستحيلة في ظل نخبة انتهازية تستثمر في الحرب، وتتاجر بأرواح الناس”. بعض من شملهم الإستطلاع أطلق العنان لخياله وتمنى أشياء مستحيلة التحقق، باعتبار الوهم نعمة ولو حتى كلحظة فرار من واقع مستحيل أويبدو مستحيلاً. وبعضهم امتنع عن الإجابة لا لشيء، إلا لأنه لم يبق لديه ما يعلقون عليه آماله. وهكذا أصبح معظم الناس يتمنون فقط البقاء على قيد الحياة، وأصبح الحديث عن هذه الأمنية أمراً مقبولاً، فلم يعد أحد قادراً على تخيل مستقبل يليق به كإنسان.

You might also like