كل ما يجري من حولك

كيف تقرأ أمريكا الانتصار في حلب

533

د. يحيى محمد ركاج

حلب، اسم بالدم انكتب، رسمت ملامحه أجساد شعب انهالت عليه قذائف وصواريخ الإرهاب ولكنه لم يرضخ ولم يخنع وصمد، وسطّرت حروفه دماء شهداء روت أرض الملامح والبطولات فأخرجت اسطورة في العقيدة والصمود والتكتيك، هزت أركان الكيان الصهيوني فكان الحراك العاجل من أمريكا إلى إيران إلى تدمر وقد يكون القادم تهور وتفجير لمشاعر الغضب.

فعلى الرغم من اتفاق الجميع بأنه لا يمكن اعتبار قوة أي جيش على حاله بين أول الحرب ونهاياتها، والأمر ينطبق أيضاً على الجيش العربي السوري، إلا أن ما يميز هذا الجيش وتشكيلات المقاومة التي تحارب معه هو أنها تكتسب يوماً بعد يوم خبرات قتالية في طرق وأدوات جديدة لا يمكن لأي جيش أن يكتسبها بسهولة وضمن فترات زمنية ليست بالطويلة. الأمر الذي يجعل الحلف الصهيوأمريكي المعادي له يتابع كل تحركاته بحذر وبخطوات استباقية جديدة تحد من الاستثمار الفعال للجيش العربي السوري لهذه الانتصارات التي يحققها، الأمر الذي ينطبق على الانتصارات العظيمة التي يحققه الجيش العربي السوري في مدينة الشهباء حلب.

فقد أدركت الولايات المتحدة وحلفاؤها أهمية ما تم تحقيقه في حلب، وسارعت مباشرة للحد من هذه الانتصارات بمشروع قرار يطالب بوقف العمليات بدوافع ظاهرها إنساني وأساسها تمويل ودعم الفصائل الإرهابية وإخراج العناصر السرية من بين الفصائل المقاتلة في حلب، أتبعته بإشغال المجتمع الدولي وحلف المقاومة بمشروع تجديد العقوبات الاقتصادية على إيران، في محاولة إعادة إجراءاتها السابقة في فرض سيطرتها على المجتمعات، كما حدث إبان حرب الخليج الثانية في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، والذي أتبعه إسقاط العراق بعد قرابة العقد من الحصار، فالولايات المتحدة ترى أن الحصار حتى يتم ثماره التي يرغبونها يجب أن يتعدى حدود دولة واحدة كما هي في حلف المواجهات.

كما أتبعت أيضاً مشروعها لوقف العمليات في حلب في توجيه ارهابييها نحو إشغال الجيش العربي السوري وحلفائه في مناطق متفرقة من الداخل بغية فك الطوق الذي فرضه الجيش على الإرهابيين في حلب، فكانت حمص وحقل الشاعر وتدمر لما لهم من أثر عالمي عاطفي وداخلي نفسي، والأهم من ذلك الموقع الهام الذي تشكله هذه المنطقة بالنسبة لإمداد الإرهابيين والحفاظ على تواصلهم مع نظرائهم في الجبهة العراقية والمناطق التي تخضع تحت سيطرتهم. تدرك أمريكا وحلفائها أهمية حلب وما تشكله من عمق استراتيجي لإنهاء الحرب الإرهابية على سورية، وتدرك أيضا حجم وخطورة الأسرار التي يستطيع حلف المقاومة فك رموزها من معارك حلب ابتداء من السلاح إلى أجهزة الاتصالات إلى عملاء الاستخبارات إلى القشة التي قصمت ظهر البعير التركي الأجرب، لتكون ساحات القتال المرافقة لمعارك حلب متنوعة تبدأ بمعارك في الداخل السوري وتنتهي بتجديد الحصار الاقتصادي على حلف المقاومة، وترافقها بكل جولاتها معارك الدبلوماسية والمفاوضات السياسة التي أحسن ضربة البداية فيها المندوب السوري في الأمم المتحدة.

لتكون الجبهات كلها أمام سيناريوهات قديمة تستعد لها وتترقب الجديد.

فهل تستطيع إيران فك رموز تجديد العقوبات بتحالفات استراتيجية جديدة تجعلها قاطرة النمو في العقد القادم؟
وهل يستطيع حلف المقاومة فك رموز انتصارات حلب والخروج من فكي كماشة الاستنزاف في الداخل والتوجيه نحو فدراليات نهايتها الانفصال والتحطم؟

أم تستطيع الولايات المتحدة بفيلها الجديد ترامب تجديد سيناريوهاتها القديمة بأدوات جديدة لتكون المواجهة الحاسمة في العقد القادم.

– باحث في السياسة والاقتصاد (سورية)

You might also like