كل ما يجري من حولك

الولايات المتحدة الداعشية

667

* بقلم هاري جبينثام- ترجمة: رندة القاسم:

بينما تُخبْرُنا معظمُ وسائل الإعْــلَام ذات الملكية المشتركة عن تَطَـرُّفِ ما يسمى الدولة الإسْــلَامية وَأعمالها الإكراهية، يبدو من السهل نسيانُ كيف أن التَّطَـرُّف يولّدُ التَّطَـرُّف.

إننا نحن، الذين نسمى الغرب، من منح الحياة لصراع الإرْهَــاب. إننا نحن من أعلن بعجرفة عن كون دولتنا الديمقراطية الليبرالية هي النظام الأَسَـاسي وَالكامل وَنهاية الرحلة الإنْـسَـانية، وَبدأنا تدمير بلدان أُخْــرَى باسم هذه الرؤية المتصدعة. وَبعض المتَطَـرَّفين، بغض النظر عن قضيتهم، يمكنهم المنافسة مع البربرية التي أطلقناها اليوم باسم الديمقراطِيّة.

وَلكن ما معنى التَّطَـرُّف وفقاً لفهم وسائل الإعْــلَام لهذا المصطلح؟ عبر عقد وَأَكْثَر من الحرب على الإرْهَــاب، أخبرونا أن التَّطَـرُّف يتجلى بأعمال مجموعات إرْهَــابية تسعى لحكمنا بشكل مستبد وَمتعصب. وَتصور داعش اليوم على أنها أَكْبَر مؤيد لهكذا حكم، وَبينما تَجَسد عنفها بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال تملك مخططات نحو العالم بأسره، كما رأينا في الخرائط التي نشرت قبل أوانها لتظهر التوسع المرغوب للخلافة المعلنة في آسيا وَإفريقيا.

الاعتداءات الإرْهَــابية الحديثة في فرنسا، وَالتي استهدفت المجلة الهزلية شارلي ايدو، تمت الدعاية لها من أجل دعم مقولة “انهم يكرهون حرياتنا” التي كانت في صلب النقاش من أجل الحرب على الإرْهَــاب منذ ان استخدمها كلُّ من بوش وَبلير. وَللأسف، لم تستخدم الشائعات ببساطة ضد مجموعات إرْهَــابية محددة، فمن الواضح أن المسلمين يتعرضون للذم بشكل نظامي من قبل وسائل إعْــلَام التيار الرئيسي في فرنسا وَبريطانيا وَأميركا باستخدام نفس المنطق. وَيحدث في كل مره أن تجمع الكلمات بشكل سيء وَتقذف، كأن يقال “إرْهَــابي مسلم” أو “إرْهَــاب إسْــلَامي”.

كلمة إرْهَــابي لم تظهر أبداً في وسائل الإعْــلَام مقترنه بأي هوية دينية أُخْــرَى، رغم الأدلة الفظيعة على الإرْهَــاب المرتكب من أشخاص يعتنقون المسيحية وَاليهودية وَالبوذية حتى في أيامنا هذه. وَمع ارتكاب هذه التشويه الكريه من قبل الحكومة وَالإعْــلَام ضد المسلمين، أجد أنه من المدهش تماما أن يعتقد أحد بأن العقيدة الإسْــلَامية بمنأى عن الانتقاد في دول مثل فرنسا وَبريطانيا وَأميركا. فليس الإسْــلَام ما يخشى الناس انتقاده، وَلكن رهاب الإسْــلَام (الإسْــلَامفوبيا)، وَالذي ساد لغة وسائل إعْــلَامنا وَالنخب العسكرية وَالأمنية وَالسياسية في بلداننا. وَمن يقوم منا بانتقاد الإسْــلَامفوبيا يصنف في الطابور الخامس في بلداننا، ما يجعل منا أيضا إصابات مدنية في هذه الفظاعة العالمية المتمثلة بالقتل غير الشرعي وَالمراقبة المعروفة باسم الحرب على الإرْهَــاب.

نتحدث كلنا عن داعش، عن تَطَـرَّفها وَحساسيتها المفرطة تجاه النقد. وَلكن ماذا عن الولايات المتحدة، النظام المشبع بالكره وَالمهووس بالتوحش وَقتل كل من يقف في طريقه، مستخدما الإرْهَــاب لإحلال الولاء وَالسيطرة العسكرية عوضا عن السلام؟ في مقال سابق قارنت بين داعش وَالولايات المتحدة، وَتوصلت بالمقارنة إِلَـى أن هذين النظامين الكريهين يشكلان عدوين بكل معنى الكلمة، لأنهما متشابهان تماما.

فكل من الولايات المتحدة وَداعش غير شرعيين وَعنيفين وَمقاتلين تحركهما الرغبة في غزو بعضهما البعض وَكل العالم. وَكيف يتوقع منا أن نقف في أحد الجانبين؟ فأيٌّ منهما لم يكلف نفسه عناء أخذ الإذن قبل التضحية بنا نحن البقية من أجل قضاياهما الخاصة المتَطَـرَّفة، وَأي منهما لن يكلف نفسه عناء شرح أَهْــدَافه. كل منهما بحاجة فقط للالتفات نحو الداخل إِلَـى ايديولوجياته المتَطَـرَّفة، لإقناع نفسه بأن عنفه وَإرْهَــابه استثنائي وَمبارك وَمبرر. وَهذا يعني أنه إما سيدمرنا أو يذعن للانتقاد وَيتخلى عن طموحاته المضللة.

الولايات المتحدة وَداعش مجموعتان متَطَـرَّفتان لأنهما مقتنعتان على حدٍّ سواء أن أيديولوجيتي دولتهما تمثل المرحلة النهائية الكاملة من التأريخ البشري.

 إنها “نهاية التأريخ” ذاتها التي أعلن عنها المنظر من المحافظين الجدد فرانسيس فوكاياما في التسعينيات على أنها الحالة النهائية للتطور الإنْـسَـاني الثقافي الاجتماعي، وَالذي اتخذ شكل نموذج الدولة الديمقراطية الليبرالية الالزامية في أميركا. وَليس من قبيل المصادفة أن كلا من تَطَـرَّف المحافظين الجدد وَالتكفيريين الحديثين ولد في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وَأن كل منهما قدم نفسه على أنه قد هزم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.

وَلأن الأحداثَ بين عامي 1989 وَ1991 هزمت النظام الثنائي للعلاقات الدولية المستقرة وَإن كانت تحت سيطرة قوتين عظمتين، فيجب ألا نتفاجأَ أن من أعلنوا انتصارَهم حملوا على عاتقهم وَبغرور إعَـادَة تشكيل كل العالم وفقاً لصورتهم هم. وَهذه هي المهمة التي يعتقد كل من داعش وَالولايات المتحدة أنهما مفوضان بها في العالم، وَلهذا علينا أن نخشاهما.

وَفي الواقع، لا تملك أيٌّ من داعش أو الولايات المتحدة المقومات لحكم العالم أو بناء دولة كامله، وَهذا ما سيدركه الشرق الأوسط. ربما يهزأ الأميركيون مما يرون أنه تخلف داعش، وَلكن هل بلدهم متقدم بكثير؟ فنظامهم ليس سوى نتاج مجرمين وَلصوص وَمتَطَـرَّفين وَإرْهَــابيين ثاروا على الامبراطورية البريطانية في القرن الثامن عشر، الامبراطورية التي خلقت بدورها على يد قراصنة وَغزاة وَسليلي الفايكينغ. فهل نحن في موقع يسمح لنا بإلقاء الوعظ عن الحضارة؟

ربما يكون الاختلاف الوحيد بين الولايات المتحدة وَداعش هو أن الأولى أقوى على المستوى الدولي. وَلكن ضمن منطقة الشرق الأوسط كلا الطرفين يضربان أعناق الناس إما بوسائل بدائية أو متقدمة، وَكلاهما يسعى باحتقار إِلَـى اسقاط أي شكل لدولة غير دولتهم. وَبهذا، فان الأعمال المتَطَـرَّفة للجانبين تجعلاهما مسؤولين عن الكوارث الإنْـسَـانية في سورية وَالعراق. وَكل خسارة الأرواح في المنطقة يمكن نسبها إِلَـى تَطَـرَّف هذين الجانبين المتحاربين.

يجب أن تنتصر الإنْـسَـانية على التَّطَـرُّف وَالفساد، وَفظاعات داعش لا يمكن التغلب عليها الم نتغلب أيضا على فظاعات الولايات المتحدة.

لأولئك الذين يعيشون في الديمقراطيات الليبرالية، تحت ظل تلك الأنظمة المتعجرفة التي تعتقد أنها أسياد العالم، طريقنا الأمثل لأجل أمننا يكمن في العمل على هزيمة أسيادِنا المجرمين. وَفي النهاية، حصيلة الصراع بين داعش وَالولايات المتحدة غير ذات أهمية قياساً إِلَـى أولوية تخليص العالم من التَّطَـرُّف. فهزيمة الاثنين تعني النصر لنا جميعاً.

*مؤلف مقيم في بريطانيا، متخصص بالدراسات السياسية وَالدينية.

عن موقع Press TV

You might also like