كل ما يجري من حولك

من 14 أكتوبر حتى 21 سبتمبر.. مسيرة تحرر وطني

655

من 14 أكتوبر حتى 21 سبتمبر.. مسيرة تحرر وطني

أنس القاضي

 

مثّلت ثورةُ 14 أكتوبر التي خاضها شعبنا ضد الاستعمار البريطاني قفزة نوعية لنضال الشعب الـيَـمَـني، وامتداداً طبيعياً لثورة شعبنا في الشمال، وهي تطور طبيعي لنضوج الحركة الوطنية الـيَـمَـنية عموماً. ومن حيث المضامين كانت ثورة 14 أكتوبر ثورة تحررية معادية للاستعمار وللحلف الإمبريالي الإنجليزي الصهيوني، وللقوى الرجعية المحلية من إقطاع وسلاطين وتجار احتكارين يعملون كوكلاء استيراد للسلع الاستعمارية. كما أن هَذهِ الثورة جسّدت وحدة نضال الشعب الـيَـمَـني ومصيره، فطليعة ثوارها كانوا يقاتلون مع الثورة في الشمال بدافع وطني ثوري، كما أن قواتها من أَبْنَاء الجنوب حظيت بدعم من الجمهورية الفتية في الشمال، وما كان يومها يتساءل أحد كيف نزل الشماليون إلى عدن أو لما صعد الجنوبيون إلى صنعاء؟، واليوم حين تحركت قوى ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر إلى المناطق الجنوبية من الوطن فليس إلا تعبيراً عن هذه الوحدة الاجتماعية الـيَـمَـنية وحدة التأريخ والنضال والإنْـسَـان والجُغرافيا، ومَن يستعمر جنوب الوطن اليوم هي قوات أجنبية، فلا يستعمر أخٌ أخاه.

في هذهِ القراءة سنسلّطُ الضوء على الروابط والمُقاربات بين ثورتَي 21 من سبتمبر وثورة 14 أكتوبر، حيث ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر في مضامينها الثورية التحررية ومن حيث ردات الفعل الاستعمارية الخارجية وردات فعل الركائز الاستعماري المحلية في الداخل، ومن حيث وعي قيادة الثورتين بمهام هذه الثورة. ويجد الدارس لحركة التحرر الـيَـمَـنية ولتأريخ شعبنا الثوري بأن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر تنتمي إلى وهج ومضامين ثورة الرابع عشر من أكتوبر أكثر مِما تُشبه ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وإن كانت فعلياً ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر قد استعادت لثورة 26 سبتمبر وهجها ومضمونها بعد أن استُلبت هَذهِ الثورة الجمهورية لمدة أربع عقود من الزمن.

**

الجنوب اليمني في ظل الاستعمار البريطاني

 

يقولُ الكاتبُ د. أحمد عبدالله صالح (في كتابه “خصائص النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني” أحد منشورات الـيَـمَـن الشعبية سابقاً)*: من خصائص السيطرة الاستعمارية في بلادنا، أن المُحتلين البريطانيين قد ارتبط وجودهم العدواني، على أرضنا بالمصالح السياسية والعسكرية بالدرجة الأولى، حيث تحولت عدن إلى قاعدة عسكرية لحماية المصالح البريطانية الاقتصادية والسياسية والعسكرية في بلدان الجزيرة والخليج العربي، وفي الشرق الأدنى والأوسط، وكذلك محطة ترانزيت لتزويد الأساطيل التجارية بالوقود، وكقاعدة عسكرية تؤمن حماية الطُّرقات والممرات البحرية إلى مناطق الهند وشرق أفريقيا، كما أن عَدَن قد مثلت بعد الحرب العالمية الثانية نقطة ارتكاز ورأس جسر عسكري لحلف الأطلسي لقيام بأعمال عدوانية ضد حركات التحرر الوطني العربية والأفريقية”.

وهَذهِ الأطماعُ العسكرية السياسية الاقتصادية ما زالت موجودة لدى قوى الاستعمار، التي حالياً تحتل مناطق من الجنوب وتُخضعهُ لسيطرتها وهذه المطامع دافع تدخلها العدواني في الـيَـمَـن لا شيء آخر، وإن كان في هذا الزمن قد ضَعُفَ الدور البريطاني، لصالح أمريكا، فيما دول الخليج أذيالٌ لهاتين الدولتين الاستعماريتين لا أكثر.

وفي مجرى حديثه عن طبيعة الأوضاع الاجتماعية في ظل الاستعمار يقول الكاتب:

“لقد حطم الاستعمار البريطاني الاقتصاد الطبيعي في المدينة والريف (الثروة السمكية والحيوانية والزراعية) وأصبحت البلاد كُلها بمدنها وأريافها، سوقاً لمنتجات الشركات الاحتكارية الأجنبية، فأصبح القمح والذرة تستورد من الخارج وكذلك اللحوم واللبن والسمن ومعلبات الساردين والطماطم، ليس ذلك وحسب، بل قد حطمت كُلّ ما كان موجوداً من الورش والصناعات الحرفية الوطنية، فأصبحت الأقمشة وكل الملبوسات والمفروشات والأدوات المنزلية تستورد من الخارج إلى بلادنا. إن الاستعمار البريطاني لم يول أيَّ اهتمام يُذكر لتطوير الصناعة والزراعة وكذلك التنقيب عن النفط والثروات المعدنية، بل اقتصر اهتمامُ المُستعمرين على تطوير الجوانب الخدمية، كالتسهيلات التجارية والمالية، وذلك على حساب نمو الصناعة والزراعة، مما أوجد في بلادنا اقتصاداً مشوهاً وحيد الجانب ذا طابع طُفيلي صرف. أما أوضاعُ الريف فقد كانت أكثر تخلفاً، دعم المُستعمرون العلاقات الاقطاعية المتخلفة التي شكلت حاجزاً أمام تطور القوى المُنتجة في الريف، وأقاموا تحالفاً سياسياً مع السلاطين الإقطاعيين؛ وذلك لأجل فرض الهيمنة والسيطرة الاستعمارية على كُلّ أجزاء البلاد.

كان في عدن رجل بوليس واحد لكُل 250 مواطن، من السُّكان، وفي الوقت نفسه في إنجلترا نفسها وجد بوليس واحد لكل 750مواطن، وقد أعطى البوليس حق التعرض والتفتيش لأي مكان والاعتقال والتحقيق مع أي شخص ومصادرة وثائقه ونزع اللوحات والأعلام ووضع أية منظمة تحت الرقابة”.

***

 

بداية الثورة

يقول المُناضل والمُفكر عبدالله عبدالرزاق باذيب*:

عندما قامت ثورة 26 سبتمبر المجيدة في الشمال ذهب العديد من أَبْنَاء الجنوب من عُمال وفلاحين ورجال قبائل وطلبة وشاركوا في الحرس الوطني ضد العدوان الامبريالي الرجعي الملكي على ثورة الشمال. وكان بينهم المئات من أبناء ردفان، وبعد عام من الكفاح الضاري المرير في جبال الشمال وشعابهُ ووديانه وبعد توقف إطلاق النار الأولى، وبسبب الخيانات والفوضى في تصريف أموال الحرس الوطني، قرر أَبْنَاء ردفان العودة إلى ديارهم، فكانت بانتظارهم قوانين وأوامر من الانجليز بتسليم سلاحهم وضم بلدهم (الذي كان حتى ذلك الحين بعيداً عن نفوذ الانجليز ولا يتبع إمارة الضالع القريبة منهم) ورفض أَبْنَاء دفن أو (الذئاب الحُمر) كما كان يُسميهم الانجليز، وكان أول صدام في 14 أكتوبر 1963، وأول شرارة للثورة. وإذا كانت مُطالبة الانجليز لأَبْنَاء ردفان بتسليم السلاح والخضوع لسلطة أمير الضالع العميل هي السبب المُباشر لانتفاضتهم، فإن السبب الحقيقي يكمن في ظروف القهر والاستغلال الاستعماري وللطغيان السلاطيني، التي عاشها شعبنا في ظل الحكم البريطاني. وصمد أَبْنَاء ردفان لوحدهم في وجه القوات البريطانية رُغم تخريب بيوتهم وإحراق محاصيلهم، وكان صمود أَبْنَاء ردفان إلهاماً لشعبنا في الشمال والجنوب ولقوى الثورة. وكنت الظروف الموضوعية في بلادنا مهيأة وناضجة لمثل هَذه الحركة، فلم يكن أمام شعبنا في إمارات الجنوب من وسيلة للدفاع عن نفسه ضد تسلط الانجليز والسلاطين غير السلاح، الذي لم يستطع الانجليز حرمانهُ منهُ وقد حرمه من كُلّ وسائل التعبير الأُخْــرَى، فلا صحف ولا أحزاب، ولا انتخابات بل كبت وقهر وحرمان كامل.

**

الانقسام الاجتماعي السياسي في ثورة 14 أكتوبر

 

في كُلّ ثورات التحرر الوطنية بالعالم، لم توجد ثورة كانت متفقة حولها كُلّ القوى السياسية والمكونات الاجتماعية في هذا البلد المُعين، فالانقسام شيء طبيعي لا ينتقص من الثورة، بل يعكس تصادم المصالح الاجتماعية السياسي وتفاوت الوعي والوطنية لدى المُجتمعات. وحين نفرز القوى الاجتماعية والسياسية في الـيَـمَـن الجنوبي إبان ثورة 14 أكتوبر في 1963 سنجد أن التنظيم الماركسي (اتحاد الشعب الديمقراطي الذي أسسه عبدالله باذيب) كان هو التنظيم السياسي الوحيد من خارج الجبهة الوطنية التي قادت الثورة (الحزب الاشتراكي لاحقاً)، الذي اتخذ موقفاً مبدئياً ثابتاً إلى صف الثورة المُسلحة ومُسانداً للجبهة القومية، فيما اتخذت القوى والأحزاب السياسية موقف الرفض تجاه الثورة واعتبرتها عملاً مغامراً وطائشاً، بل ومخططاً أجنبياً ومن صُنع المصريين. وهذا يُشبه إلى حدٍّ ما موقف القوى والأحزاب السياسية من ثورة 21 سبتمبر التي اعتبرتها عملاً طائشاً واعتبرت إسقاط السُّلطة الرجعية العميلة في صنعاء فخاً ومُجازفةً ومغامرة ساقها الرئيس السابق صالح، بل واعتبرت هذهِ القوى أن الثورة بشكل عام صنع إيران، رُغم أنها وقعت في المجتمع الـيَـمَـني في الظروف التأريخية الـيَـمَـنية وقام بها الكادحون والمُستضعفون الـيَـمَـنيون بقيادة حركة ثورية يمنية. وهذا الموقف المُعادي من الثورة طبيعي جداً وخاصة من الثورات التحررية المعادية للاستعمار، فكل القوى الرجعية العميلة تصطف مع القوى المُعادية ضد الشعب والثورة والاستقلال الوطني.

وفي الجانب المُعادي للكفاح المُسلح ولثورة 14 أكتوبر، وقفت رابطة أَبْنَاء الجنوب العربي، موقفاً معادياً وصريحاً وهذا الموقف يُشكل امتداداً طبيعياً لنهج الرابطة المعادي للتحرر والموالي للاستعمار البريطاني والنظام السلاطين والاقطاعي؛ لأن هذه الرابطة كانت تعبر عن مصالح كِبار المُلاك التجاريين والمستغلين والاقطاعيين، وكان دعم ثورة أكتوبر يتعارض مع هذه المصالح الطفيلية المتحالفة مع الاستعمار، فثورة أكتوبر كانت واضحة منذ البداية أنها ثورة تحرر ضد الاستعمار وبقاياه ومُخلفاته.

كذلك ثورة 21 سبتمبر التي كانَ واضحاً منذ البداية أنها ثورة ضد الفساد الاقتصادي وضد الاستبداد السياسي والقمع الأمني والإرهاب، وضد الهيمنة الأمريكية على السياسة الـيَـمَـنية ومع الاستقلال الوطني، وثورة تحمل هذا المضمون التحرري، تتعارض مع مصالح القوى الرجعية المُرتبطة ببقاء الـيَـمَـن تحت الهيمنة الخليجية الأمريكية، وبقاء ثروات البلد ومؤسساته في أيدي النهابين، لهذا وقف التجمع الـيَـمَـني للإصلاح والناصريون وقيادة المؤتمر والاشتراكيون ضد هذه الثورة مع وجود فوارق بسيطة من موقف حزب لحزب، إلا أنه كانت على كُل حال جزءاً من النظام الاجتماعي السياسي السائد ورأت أن الثورة تُهدد مصالحها، وليس عيباً على ثورة 21 سبتمبر أن هذه القوى تعتبر الثورة انقلاباً؛ لأن هذهِ هي الحقيقة، هذه الثورة الشعبية مثلت انقلاباً ثورياً في المُجتمع وبُنية السُّلطة وأسقطت هذه القوى الفاسدة والمُتحالفة مع الخليج وأمريكا من سدة الحكم، وهذا هو ما يُميز ثورة 21 سبتمبر أنها ثورة تحرر وطني مُسلحة بالعنف الشعبي، تُشبه في مضامينها حرب التحرير الشعبية في جنوب الـيَـمَـن أي ثورة 14 أكتوبر أكثر مِما تُشبه ثورة 26 سبتمبر.

 

**

القوى المعادية للثورة

 حين اتضح للقوى الاستعمارية البريطانية وللقوى الرجعية الإقطاعية والسلاطينية والبرجوازية الطُّفيلة أن ثورة أكتوبر ماضية نحو التحرر من الاستعمار وتستهدف كُلّ المصالح غير المشروعة، كونت هذه القوى حلفاً مُعادياً يُسمى باسم جبهة التحرير وتقاسمت الأدوار بما يضمن وقف الثورة وضاعفت أعمال العنف والإرهاب ضد الثوار في الجبهة القومية والماركسيين. وصعّدت من نشاطها السياسي المُعادي ونادت بأن تُسلم بريطانيا السُّلطة سلمياً لهذ القوى العميلة التي كان لديها حكومة محلية عميلة، وهذا استقلال ناقص، ودعت في عام 1964 إلى عقد مؤتمر دستوري في لندن يتم تحت رعايتها وإشرافها ويحضره ممثلو الأحزاب والتنظيمات الرجعية المُتحالفة مع الاستعمار. وهذا يُشبه إلى حد كبير تحالف المُشترك والمؤتمر وتقاسم الدوار بينهم للهجوم على ثورة 21 سبتمبر عسكرياً واعلامياً وجماهيرياً، وكذلك تحالفهم ضد الثورة في المفاوضات التي كان يرعاها بن عُمر وكذلك تحالفهم الآخر في مؤتمر الرياض ودعوة أنصار الله والمؤتمر للذهاب لحوار في الرياض، وقيام ما تُسمى بالمقاومة الشعبية.

 كُلّ هذه الأحلاف الرجعية كانت بقصد وقف ثورة 21 سبتمبر، لكنها تسقط يوماً فيوم وتزداد تناقضاتُها، وستنتصر ثورة 21 سبتمبر كما انتصرت ثورة 14 أكتوبر، وسيُدحر هذا الغزو الجديد وستنكسر هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة، وليس مِن المُستغرب أن رابطة أَبْنَاء الجنوب ومن شكلوا قديماً جبهة التحرير المعادية للثورة وشخصياتها الاقطاعية السلاطينية التجارية الاحتكارية التي طردتها ثورة 14 أكتوبر هي اليوم من تتزعم ما يُسمى بالمقومة الجنوبية، وهي اليوم من تمثل قيادات “داعش” و”القاعدة” وعادت بأساطيل الغرب والخليج بنقمة وحقد على هذه الثورة، وهي من تقوم بتصفية كوادر الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي باعتبارهم امتداداً لثوار 14 أكتوبر.

**

الطابع الوطني والطبقي لثورتي 14 أكتوبر

 *عبد الفتاح إسماعيل: “مع اشتداد وطأة الاضطهاد والاستغلال الاستعماري في البُلدان النامية برزت ظاهرة جديدةٌ في هذه البلدان، وهي أن حركة التحرر الوطني فيها لم تكن ذات طبيعة وطنية صرفة تستهدفُ القضاء على السيطرة الاستعمارية فقط، لكنها في ذات الوقت تحمل طبيعة طبقية أيضاً، فالنضال ضد الاستعمار والاستعمار الجديد وكافة مظاهر التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للامبريالية يحمل محتوى وطنياً وهوَ يحمل إضافةً لذلك محتوى طبقياً؛ لأنه موجه ضد سيطرة استغلال الاقطاع والكمبرادور (التوكيلات الاحتكارية) وضد رأس المال المالي (قروض صناديق الإقراض) على الصعيد العالمي ككل، ولهذا اكتسبت حركات التحرر الوطني أهمية كُبرى في نضالها ضد شكلَي الاستعمار القديم والجديد، وبدأت تخوض صراعاً من نوع جديد. إذن فالسواد الأَعْظَـم من شعوب البُلدان النامية أكان في المدينة أو الريف بحكم الأوضاع العالمية وبسبب تطور الامبريالية إلى أعلى مراحل الاستعمار والتعاظم المُستمر لنفوذ الرأس المال، فقد ظل يُعاني من الاضطهاد الوطني من جهة، ومن الاضطهاد الطبقي من جهةٍ أُخْــرَى، ولهذا فإن نضال حركات التحرر الوطني العالمية اتسم بطابع مزدوج فهو نضال موجه ضد الاستعمار القديم والجديد، وفي نفس الوقت هوَ نضال طبقي موجه ضد الركائز الاستغلالية المحلية التي يعتمد عليها الاستعمار الجدد في كُلّ البلدان.

وهذا المضمون الوطني والطبقي في ثورة 21 سبتمبر 2014م حاضر وبقوة ويتمظهر في القوى الاجتماعية المُفقرة التي قامت بهذه الثورة، وفي ربطها بين المُطالب بإسقاط الجُرعة السعرية (التي هي أحد شروط صناديق الاقراض)، وبين المُطالب بالاستقلال من الهيمنة الأمريكية السعودية، وكل خطابات قائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك الحوثي كانت تَنسى الوضع الاجتماعي المزري الذي هوَ الوضع الطبقي وكانت تُرجعه على كون هذا البلد مُستلباً مُهيمناً عليه وكونه بلداً مُستهدفاً ومحل أطماع، وبهذا الوعي فثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لم تفصل الوطني المطالب بالسيادة عن الطبقي المُطالب بالتحرر الاقتصادي، وفي استهداف هذه الثورة للقوى المُسيطرة اقتصادياً على الاقتصاد الـيَـمَـني المُتمثلة بالإخوان وبيت الأحمر وكبار التُّجار من حزب المؤتمر، إلى آخر عصابات المافيا التي اشتغلت بالاحتكار والتهريب ونهب عائدات النفط”.

 

**

 

الريف مخزن القهر والثورة

مع هيمنة الرأسمال الطُّفيلي والاحتكاري في هذا العصر الامبريالي فإن الريف الذي يُضرب نمط إنتاجه الطبيعي ويُفقر يكون الأشد وطأة وتضرراً من الواقع الاقتصادي، ويكون هوَ المخزون الثوري، لهذا كان أبرز صور ثورة 21 سبتمبر2014م، أنها حشود ريفية مُفقرة شُعث غُبر مُزاجهم الموضوعي كفاحي عسكري لطبيعة الظروف التي يعيشونها، وكان هَذا هوَ حال الجنوب الـيَـمَـني في ثورة 14 أكتوبر الذي ُعايش الاستعمار القديم، فيما جيلُ ثورة 21 سبتمبر عايش ظروف الاستعمار الجديد، التي تختل بوسائل الاستغلال والاستعباد، مُبقية على نفس المضمون، بل إن واقع اليوم أكثر وحشية مع التطور المتوحش للرأسمالية الاحتكارية في طورها الإمبريالي.

يقول عبدالفتاح إسماعيل:

“إن المعركة المُسلحة من أجل السُّلطة السياسية، والاستقلال الوطني انطلقت من الريف في الأساس لتلتحم بنضال الطبقة العاملة والمُثقفين الثوريين وسائر الكادحين في المدينة، الذين كانوا يؤمنون بالنضال المُسلح، وبالموقف السياسي لثورة 14 أكتوبر، واقد استطعنا عبر توحيد الفلاحين وتنظيمهم وتحالفهم مع العمال والمثقفين وسائر الكادحين في المدينة، وعبر النضال الطويل والتضحيات، وقوافل الشهداء استطعنا أن نُحقق النصر لثورة 14 أكتوبر في 30 نوفمبر 1967م”.

**

 

القيادة الطليعية الثورية.. نضوج الرؤية لمهام الثورة الحقيقية

 

يقول السيد عبدالملك الحوثي: “التحرك الشعبي ضرورةٌ ومسئولية حتمية لضمان وجود البلد والاستقلال والحُرية والكرامة، وهَذه لثورة ستستمر حتى ينعم البلد بالاستقلال والاستقرار وينعم الشعب بثرواته وخيراته، وحينها يُمكننا القول إن أهداف الثورة الشعبية قد تحققت”.

قول السيد لهذا في الذكرى الأولى لانتصار ثورة 21 سبتمبر يعكس لك رؤية الرجل لطبيعة الثورة كثورة تحررية طبقية في آنٍ معاً، إذ يربط السيد التحرر والاستقلال الذي هوَ سياسي بالتنعم الاستقرار وخيرات البلد والتي هي مهام اجتماعية اقتصادية يجب أن تُنجزها الثورة لتُعتبر ثورةً صحيحة. وهَذه الرؤية الواعية للثورة كانت هي الرؤية التي تمتلكها القيادة الطليعية لثورة 14 أكتوبر، يقول القائد عبد الفتاح إسماعيل في نفس الخطاب أمام مؤتمر اتحاد الفلاحيين الديمقراطيين الـيَـمَـنيين: “فلا شك أن نضالنا لم ينتهِ عند نيل الاستقلال، بل إننا بعد نيل الاستقلال، بدأنا مرحلة جديدة من النضال من نوعٍ جديد، فقد كان طرد الاستعمار مسألة هامة وضرورية للغاية، فبسقوطهِ سقطت ركائزه الأساسية من سلاطين ومَشَايخ وأُمراء، ولكن كانت لا تزال هُناك قوى احتياطية للاستعمار الجديد. فقد كان الاستعمار بعد أن طُرد من الباب يُريد أن يعود مرة أُخْــرَى من النافذة في شكل الاستعمار الجديد، بواسطة القوى العميلة التي كانت تُريد أن تجعل الاستقلال مُجرد استقلال شكلي، مُكتفية بقيام سُلطة وعلم يُرفرف ونشيد وطني، إلا أن التيار الثوري التقدمي داخل الجبهة القومية كان ينظر إلى المسألة بشكل آخر، إذ كان يرى أنهُ لا بد من مواصلة النضال، لكي نستطيع أن نُعزز الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي؛ لأنهُ لا يُمكن أن يكون هناك استقلال سياسي حقيقي بدون تحقيق التحرر الاقتصادي، من عجلة الإمبريالية العالمية.

 

الهوامش:

* مقال المُفكر اليساري الـيَـمَـني عبدالله باذيب بتأريخ 31/ يناير/1968 المعاد نشره في كتاب صادر عن منتدى حوار الثقافة والفكر تعز 2012م.

* كتاب “خصائص النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب الـيَـمَـني” للدكتور أحمد عبدالله صالح. دار الهمداني عدن 1988م.

* من خطاب عبدالفتاح إسماعيل في مؤتمر انشاء اتحاد الفلاحيين الـيَـمَـنيين الديمقراطيين تأريخ 11/10/1976م وكان حينها الأمين العام للجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحَّد للجبهة لقومية. وعبدالفتاح إسماعيل هو مؤسس قطاع الفدائيين في الجهة القومية التي قادت ثورة 14 أكتوبر.

 

 

 

 

أعلى النموذج

You might also like