كل ما يجري من حولك

الانتقال من الصبر الاستراتيجي الى المفاجآت النوعية

738

بقلم : عبد الحسين شبيب
 ليس امراً عابراً ان يخرج رئيس المجلس السياسي لحركة انصار الله صالح الصماد ببيان هو الاول له منذ بدء العدوان، لا سيما وان الرجل من قيادات الصف الاول ومن الحلقة الضيقة اللصيقة بقائد الحركة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي. لكن الصماد اختفى عن الاعلام كلياً كأعلى مسؤول سياسي لحظة بدء “عاصفة الحزم” ليعود مباشرة الى موقعه الطبيعي كصاحب خبرة عسكرية ممتازة، وهو الذي يكنى بـ”ابو الفضل” كاسم جهادي له، ليلتحق بقائده السيد عبد الملك “ابو جبريل” الذي قاد مباشرة وأشرف على ستة حروب متتالية، خمساً مع النظام السابق، وواحدة مع التكفيريين من دماج الى عمران، وها هو اليوم يقود ثورة شعبية لم يجد خصومها وسيلة لمواجهتها الا اطلاق حرب اقليمية بخلفية عالمية ضدها، ليقضي القدر مرة اخرى بأن يعود “السياسيون الجدد” الى مواقعهم القتالية في جولة الحرب الاخيرة  والحاسمة كما يقولون، قبل اعادة بناء اليمن الحديث والسعيد ومعه الجزيرة العربية حتماً.

أخذ البوصلة الى مكان واحد

بيان الصماد خرج ممهوراً بالرموز المكثفة التي تأخذ البوصلة الى مكان واحد. ابرز هذه الرموز هو الاربعون يوماً التي استهل بها النص المحبوك بعناية فائقة، والذي يرجح ان عباراته صيغت بالتشاور المباشر مع السيد عبد الملك نظراً لما تضمنته من رسائل قاطعة وحازمة. اما لماذا خرج البيان بعد الاربعين وليس في المواقيت المعتمدة في حسابات الحروب الحديثة، فببساطة لأن هذا العدد له رمزية خاصة واستثنائية في الادبيات الاسلامية القرآنية التي تشكل الوعاء الروحي الاكبر والاوسع الذي يحتوي كل هذا الحراك السياسي والثوري والعسكري الذي تقوده حركة انصار الله ويعتبر من ثوابت الايمان والحكمة لليمانيين. وهو جانب كتبنا في المقالة السابقة انه لا يمكن ان تستمع فيه الى احد من انصار الله الا ويستهل به حديثه _ قناعاته وايمانه_ ويختم به. بهذا تكون الاربعون يوما فترة لا بد منها للتعبئة الروحية العبادية التي تهيئ قادة المعركة لكي يستنيروا بنور الله الذي يقذفه في قلوب عباده الصالحين، فكيف وهم يجاهدون؟ والمؤكد ان السيد عبد الملك الذي اوصى في بداية العدوان السعودي _ الاميركي المجاهدين على الجبهات_ في رسالة عممت عليهم بوسائل متعددة_ بمجموعة من التسبيحات والاذكار اليومية وببعض الاعمال المستحبة للاستعانة بها في الصبر واستلهام القوة، قد بادر هو بنفسه في ليلة العدوان الاولى الى بدء الصيام ولا يزال مواظباً على هذه المكرمة الالهية التي يعتبرها معيناً له في بلورة القرارات والخيارات الاستراتيجية، لا سيما وان في رقبته مسؤولية شعب عظيم وامة فتك بها التكفيريون والدول الكبرى.

ansar

فرصة الأربعين يوماً
وهذا الامر ليس سراً، فكل الذين واكبوا حركة السيد عبد الملك في جميع الحروب يجزمون بأنه لم يقطع الصوم يوماً واحداً حتى انتهاء المعركة. وفي هذه الاربعين يوماً منذ 26 آذار الماضي وحتى ليلة الخامس من ايار توقيت خروج بيان صالح الصماد، واظب ابو جبريل ايضاً على مجموعة من الاعمال العبادية الاخرى التي تستلزم هذه المدة بالتمام والكمال، قبل ان يتخذ القرارات الكبرى متوكلاً على الله سبحانه وتعالى الذي هو سقف المجاهدين في اليمن ولا يشبه اي سقف مادي آخر مما يتخذه قادة العدوان لهم كاميركا وغيرها مثلما قال في خطابه الاخير.
ايضاً فإن الاربعين يوما هي فرصة كافية لمن تورط بالعدوان لكي يعيد حساباته ولكي يتحرك من يهمهم الامر قبل فوات الاوان، وايضاً للشعب السعودي كي يقول كلمته في وجه نظامهم قبل ان يجني عليهم ويحملوهم وزر اعماله. ما لم _كما يحب اليمنيون ان يستخدموا هذه العبارة_ فإن الذمة مبرأة اولاً امام الله سبحانه وتعالى، وثانياً امام الناس، وهذا اجراء ديني ملزم قام به السيد عبد الملك حتى لا يرمي عليه احد انه لم يلق الحجة وبادر فوراً الى الرد.
القول الفصل في الخطاب الثالث

بهذه المعطيات وهذه المفاهيم العليا يمكن التبصر جيداً في اهمية ما ورد في بيان صالح الصماد للتعاطي معه كنص استثنائي يمكن من خلاله تلمس ملامح المرحلة المقبلة وتوقيت بدئها والمسار الذي ستسلكه، بما يمكن ان يهيئ الشعب اليمني والمجاهدين واحرار العالم _كما جاء في البيان_ لانتظار القول الفصل في الخطاب الثالث لقائد حركة انصار الله، والذي يبدو من ثنايا البيان انه لن يتاخر كثيراً هذه المرة. فـ “ابو الفضل” جزم بأن “صبر الشعب اليمني لن يطول”، وهي عبارة لا يمكن تأويلها بغير معناها، و”ستاتي اللحظة التاريخية التي انتظرها اليمنيون ليردوا الاعتبار للشعب ويوجهوا صفعتهم القاضية الى ال سعود والتي  ستفقدهم صوابهم وتشرد بهم من خلفهم”.

فرصة اطلاق مبادرة سياسية

ومن دون افاضة في تأكيد المؤكد فإن الوقت المتبقي للدول التي طلبت فرصة لاطلاق مبادرة سياسية لن تطول، كما تؤكد المصادر اليمنية المطلعة على مجريات الاتصالات التي تتوزع بين مسقط وطهران وموسكو، وتأجيل الرد الذي حصل بعيد الخطاب الثاني وافضى الى تراجع تكتيكي للسعوديين من خلال اعلان انتهاء “عاصفة الحزم” والانتقال الى “اعادة الامل” في محاولة للتهرب من الضغوط التي مورست على الرياض لوقف عدوانها. هذه الخديعة لم ولن تنطلي على انصار الله، لا سيما وانهم يحفظون بقلوبهم وعقولهم وصايا القائد المؤسس الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي المتكررة في ملازمه (محاضراته)، والتي يختار السيد عبد الملك كل اسبوع، حتى في ذروة المعارك، ملزمة ويوجب على جميع المجاهدين بمختلف رتبهم قراءتها والتمعن في مضامينها. وفي هذه المحاضرات القرآنية وصية ثابتة وقاطعة: يجب ان لا تتكرر خديعة التحكيم في صفين ولا يكون هناك ابو موسى اشعري جديد، وهو كان يمنياً بالمناسبة، وبالتالي فإن قيادة الثورة منتبهة جدا للخديعة السعودية، حتى من دون توصية مصرية كتلك التي خرجت بعد ساعات من اعلان وقف عاصفة الحزم عندما بادر مسؤولون مصريون الى الاتصال بقيادات يمنية في الداخل وحذروهم من ان يكون الاعلان السعودي كميناً محكماً وفقاً لما اكدته مصادر يمنية مطلعة.

صحيح ان اليمنيين فهموا من كلام محدثيهم المصريين الخلفية الحقيقية لهذا التحذير وهي ان القاهرة مستاءة جدا من عدم ابلاغ الرياض لها بهذه الخطوة، لكنهم في الواقع ارادوا اعطاء فرصة اخيرة قبل ان يبدأو رداً لا هوادة فيه ولا تراجع حتى تجريع نظام ال سعود الكأس المرة التي ارادوا تجريعها لليمنيين. وعليه فإن الاطار الزمني صار ضيقا يتراوح بين الخامس من ايار والسابع عشر منه. التاريخ الاول هو يوم انعقاد القمة الخليجية التشاورية في الدوحة بحضور استثنائي للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تريد السعودية وحلفاؤها شراء تورطه الاكبر بالعدوان بصفقات تسلح بعشرات مليارات الدولارات الاميركية يحتاجها الاقتصاد الفرنسي لانعاشه قليلا في مواجهة الركود القاتل الذي يصيبه. وللعلم فإن اليمنيين يشككون ان الفرنسيين متورطون عملياً بالعدوان، فليس مصادفة توجه  اكبر حاملة طائرات فرنسية شارل ديغول الى المحيط الهندي قبالة سواحل عدن (في الرابع عشر من كانون الثاني الماضي) ووصولها قبيل قليل من بدء الغارات الجوية. اما الموعد الثاني فهو اللقاء المرتقب بين الرئيس الاميركي باراك اوباما والقادة الخليجيين في كامب دايفيد في الثالث عشر من ايار لاطلاعهم على المعادلات السياسية الجديدة والنظام الاقليمي الذي سينتجه الاتفاق النووي الغربي _ الايراني، وفي ذلك هواجس سعودية بلا حدود.

اما السابع عشر من ايار فهو الموعد الذي ضربه الفار عبد ربه منصور هادي لكي يبدأ حواراً يمنياً_ يمنياً في الرياض، وهي خطوة اذا حصلت فإنها تعني ان شعرة معاوية قد انقطعت كلياً، لان الجنون العسكري السعودي يكون قد ارفق بجنون سياسي لا بد بحسب المصادر اليمنية المطلعة من التعامل معه بما يستحق لا سيما وان المعطيات المتوافرة تتحدث عن سيناريو تسعى اليه المملكة لكي تحفظ ماء وجهها، بعدما اهرق ميدانياً وبعدما بات محسوماً انها ستصبح محل مساءلة قضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وهو ان تفوز باقليم واحد من الاقاليم الستة التي حاولت فرضها من خلال مؤتمر الحوار الوطني وافشلتها الثورة الشعبية. اما الاقليم الذي تضع المملكة عينها عليه فهو الذي يضم محافظات حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى، وهي تشكل اكثر من نصف مساحة اليمن، نحو 250 الف كيلومتر مربع، لكن بعدد سكان لا يتجاوز المليوني نسمة من اصل نحو 26 مليون نسمة. وهو اقليم يمتد من الحدود الشمالية لليمن مع السعودية بدءا من تخوم محافظة الجوف وصولاً الى حدود المهرة، كما يضم ساحلاً طويلاً على بحر العرب من آخر نقطة في ابين_ حضرموت الى المهرة _ سلطنة عمان. وللعلم فإن للسعودية اطماعاً في الثروة المائية والنفطية في هذا الاقليم، كما ان لديها مشروعاً استراتيجياً لنقل النفط عبر خط انابيب يشق محافظة حضرموت من الشمال الى الجنوب على بحر العرب، لكي تتخلص من عبور نفطها مضيق هرمز الذي تتحكم فيه الجمهورية الاسلامية في ايران.

ومن الواضح لدى قيادة الثورة اليمنية ان جميع مسلحي القاعدة والدواعش ممن هزموا في المحافظات الشمالية والجنوبية يتجمعون في حضرموت مع الاسلحة التي سرقوها من معسكرات الجيش اليمني، بحيث ستصبح المنطقة نقطة التقاء سعودي اميركي قاعدي جديد. كما ان خط الانسحاب الاخير لارهابيي القاعدة في محافظة مارب هو باتجاه حضرموت بعدما تم تطويقهم من الجهات الثلاثة. والمفارقة التي تلاحظها المصادر اليمنية المطلعة بدقة هي ان جميع القصور الرئاسية اليمنية تم قصفها بطائرات العدوان السعودي الاميركي الا القصر الرئاسي في مدينة المكلا الساحلية في حضرموت، رغم انه يسيطر عليه عناصر القاعدة. كما ان المعلومات المتوافرة تتتحدث عن عملية نقل تكفيريين من اماكن مختلفة باتجاه حضرموت. كما ان الحديث عن انزالات ودعم في عدن ومناطق اخرى يتم التعامل معه ايضا على انه حاجة لصرف النظر عن انزالات تحصل في اماكن اخرى بعيدة عن الاضواء الاعلامية وميدان المواجهات. اما الهدف فهو تحصين وضع هذا الاقليم الذي يمكن ان يعلن منطقة آمنة ومنطقة حظر جوي، وقد تصل الامور الى حد استدعاء قوات دولية بموجب قرارات مجلس الامن المتعلقة باليمن والصادرة بموجب الفصل السابع، وذلك لحمايته من هجوم محتمل للجيش اليمني واللجان الشعبية، خصوصاً اذا ما خرج مؤتمر الرياض اليمني الذي ستحضره ادوات المملكة واتباعها بتشكيل حكومة انتقالية في الخارج باتت تغري الكثيرين ثم تنتقل الى حضرموت كمقر مؤقت لها.

 ما حصل في المحافظات الجنوبية اصعب بكثير مما يمكن ان يحصل في “دولة” حضرموت الجديدة

بالنسبة لقيادة الثورة فإن هذا هو اسوأ السيناريوهات لكنه مقدور عليه، وما حصل في المحافظات الجنوبية اصعب بكثير مما يمكن ان يحصل في “دولة” حضرموت الجديدة، وبالتالي فإن الخيارات مفتوحة لمواجهة احتمال سرقة جزء من اليمن الذي يجب ان يبقى موحداً ولا يمكن المساومة او التهاون مع احد في هذا المجال، وهناك وسائل عديدة لوأد هذا المشروع قبل ان يبصر النور. وتجربة دحر داعش عن مناطق عديدة في العراق بجهود ابنائها تؤكد ان قدرة هكذا مشاريع على البقاء محدودة جدا وتكاد تكون معدومة.

ثم ان القائمين على هذا المشروع اي النظام السعودي سيجرعه حلفاؤه الاميركيون  خيار التقسيم هذا عندما ينقضون على المملكة وفق “مخطط لضربها قادم لا محالة بعد ان افقدوها تعاطف محيطها %8

You might also like